: آخر تحديث
نهاية حقبة "الاسترضاء" وبزوغ "الخيار الثالث" لإيران حرة:

بروكسل تدق ناقوس الخطر

3
2
2

لم يكن يوم العاشر من كانون الأول (ديسمبر) 2025 في البرلمان الأوروبي مجرد مناسبة بروتوكولية للاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، بل كان يوماً مفصلياً في تاريخ التعاطي الأوروبي مع الملف الإيراني. ففي قلب بروكسل، وبحضور غير مسبوق لقادة سياسيين وخبراء قانونيين دوليين، ارتفع صوت موحّد يعلن فشل سياسات الرهان على "إصلاح" النظام، ويؤكد أن الوقت قد حان لتبنّي "الخيار الثالث" الذي طرحته المقاومة الإيرانية كطريق وحيد للخلاص من استبداد الملالي.

لقد تحوّل البرلمان الأوروبي أمس إلى مركز للثقل العالمي المناهض لنظام ولاية الفقيه، حيث عُقد مؤتمران رفيعا المستوى شكّلا جبهة موحّدة ضد موجة الإعدامات غير المسبوقة التي تشهدها إيران هذا العام. إن الأرقام التي تم تداولها في أروقة المؤتمر – والتي تشير إلى أن عام 2025 سجّل أعلى معدل للإعدامات منذ أربعة عقود – ليست مجرد إحصاءات، بل هي صرخة دماء آلاف الضحايا، ومن بينهم النساء والقاصرون، الذين يسقطون يومياً بآلة القتل التي يديرها خامنئي في محاولة بائسة لترميم سلطته المتصدعة.

وكانت مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية، واضحة وحاسمة في كلمتها الرئيسية عندما وصفت الوضع الراهن بأنه "أزمة غير مسبوقة" للنظام. إن تحليل السيدة رجوي الدقيق يضع اليد على الجرح: فالنظام لا يصعّد من قمعه إلا لأنه يشعر بدنو أجله. إن "الطريق المسدود" الذي يواجهه الملالي أمام غليان الشارع الإيراني وتصاعد عمليات "وحدات المقاومة" يؤكد أن الشعب الإيراني قد تجاوز نقطة اللاعودة، رافضاً كلاً من دكتاتورية الشاه واستبداد الملالي، ومتطلعاً لجمهورية ديمقراطية.

ما يميز هذا الحراك الدبلوماسي في بروكسل هو الإجماع العابر للأطياف السياسية على ضرورة "المحاسبة". فلم يعد مقبولاً، كما أكد رئيس الوزراء البلجيكي الأسبق غاي فيرهوفشتات، الاستمرار في استراتيجية "الاسترضاء" التي لم تحل شيئاً طوال عقد من الزمن، بينما سقط 2600 قتيل في الأشهر الستة عشر الماضية فقط. إن دعوته الصريحة للاتحاد الأوروبي للاعتراف بالحرس الثوري كمنظمة إرهابية، والاعتراف بالسيدة رجوي كممثل حقيقي للشعب الإيراني، تمثل تحولاً نوعياً في الخطاب الأوروبي.

لم يغفل المؤتمر عن الوجه الإنساني المأساوي للصراع، حيث تم تسليط الضوء بشكل مكثف على قضية الـ 18 سجيناً سياسياً الذين يواجهون خطر الإعدام الوشيك، وجريمتهم الوحيدة هي "مناصرة منظمة مجاهدي خلق". إن قضية السجينة السياسية "زهراء طبري" ورفاقها ليست مجرد قضية قانونية، بل هي اختبار لضمير العالم الحر. وفي هذا السياق، جاء إعلان ممثل منظمة "العدالة لضحايا مجزرة 1988" JVMI عن بيان وقعته أكثر من 300 شخصية نسائية بارزة حول العالم، ليمثل درعاً دولياً لحماية هؤلاء الأسرى من مصير مشابه لضحايا مجزرة 1988.

لقد وضع السفير ستيفن راب، المدعي العام السابق للمحكمة الخاصة بسيراليون، النقاط على الحروف عندما وصف هذه الإعدامات بأنها "إرهاب دولة" و"جرائم ضد الإنسانية". إن تحذيره من تكرار مجزرة 1988 إذا ما استمر الصمت الدولي هو تحذير يجب أن يؤخذ على محمل الجد، خاصة مع تأكيده على أن العدالة لا يمكن أن تكون ثمناً لمفاوضات حول تخصيب اليورانيوم.

إنَّ ما طرحه المتحدثون، من ماتيو رينزي رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، إلى الحقوقي البارز كومي نايدو، يصب في اتجاه واحد: ضرورة تبنّي خطة النقاط العشر للسيدة مريم رجوي كخارطة طريق لمستقبل إيران. هذه الخطة التي تضمن المساواة الكاملة بين الجنسين، وفصل الدين عن الدولة، وإلغاء عقوبة الإعدام، لم تعد مجرد وثيقة نظرية، بل أصبحت الحل العملي الوحيد لإنقاذ إيران والمنطقة من براثن التطرف.

إن الدعوات التي أطلقتها دورين روكماكر وسترون ستيفنسون وغيرهم من النواب الأوروبيين لربط أي علاقات مع طهران بوقف الإعدامات، وإغلاق سفارات النظام التي تعمل كمراكز للتجسس والإرهاب، تعكس نفاد صبر أوروبا تجاه مماطلات النظام. كما أن التأكيد على ضعف النظام، الذي يرتعب من امرأة تحمل لافتة احتجاجية، كما أشار نايدو، يفضح هشاشة هذا الهيكل القمعي.

إنَّ رسالة مؤتمر بروكسل واضحة: لقد انتهى زمن المراهنة على "اعتدال" الملالي المزعوم. إن النظام الإيراني، المحاصر بالأزمات الداخلية والعزلة الدولية، يحاول الهروب إلى الأمام عبر تكثيف الإعدامات وإشعال الحروب بالوكالة. لكن، وأمام هذا المشهد القاتم، تبرز المقاومة الإيرانية كبديل ديمقراطي منظم، يحظى باعتراف دولي متزايد ودعم شعبي واسع.

إن مسؤولية الاتحاد الأوروبي اليوم، كما طالبت السيدة رجوي، تتجاوز بيانات الإدانة اللفظية. المطلوب هو إجراءات عملية: وضع الحرس الثوري ووزارة المخابرات على قوائم الإرهاب، تفعيل آليات المحاسبة الدولية، والوقوف بوضوح إلى جانب الشعب الإيراني في نضاله المشروع لإسقاط النظام. إن إيران الغد، إيران الحرة والديمقراطية، تلوح في الأفق، وعلى العالم أن يختار الجانب الصحيح من التاريخ قبل فوات الأوان.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.