: آخر تحديث

حان وقت إعادة تفعيل اتفاقيات أوسلو

1
1
1

تُعدّ اتفاقيات أوسلو التي وُقّعت عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وبرعاية أميركية، واحدة من أبرز المحطات السياسية في مسار النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. وبالرغم من فشلها في تحقيق سلام نهائي، إلا أن هذه الاتفاقيات لا تزال تمثل الإطار العملي والواقعي الوحيد لحل الصراع، نظراً لما تضمنته من اعتراف متبادل، خارطة طريق تدريجية، وتصور قائم على مبدأ "حل الدولتين"، وهو ما يحظى حتى اليوم بدعم غالبية المجتمع الدولي.

لماذا تشكل أوسلو المسار الواقعي؟
أولاً، اتفاقيات أوسلو أرست لأول مرة اعترافاً متبادلاً بين الطرفين: إسرائيل اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني، والأخيرة اعترفت بحق إسرائيل في الوجود. هذا الاعتراف المتبادل هو حجر الأساس لأي حل سياسي دائم، ومن دونه يستحيل تجاوز مرحلة العداء المطلق.

ثانياً، الاتفاقيات وضعت إطاراً تدريجياً لنقل السلطة في المناطق الفلسطينية من إسرائيل إلى سلطة وطنية فلسطينية، ضمن جدول زمني متفق عليه، وبحث قضايا الوضع النهائي مثل القدس، اللاجئين، الحدود، والمستوطنات. وبالرغم من تعثر هذه العملية، فإنها لا تزال النموذج الوحيد الذي يعالج القضايا الجوهرية بصورة متدرجة وعملية.

ثالثاً، البدائل المطروحة مثل "حل الدولة الواحدة" أو إدارة الصراع بدلًا من حله، تفتقر إلى واقعية سياسية أو إجماع محلي ودولي، كما أنها تزيد من احتمالات العنف والانفجار. إن التجربة التاريخية في العالم مع فكرة الدولة الواحدة أثبتت أنها غير واقعية وتؤدي إلى حروب أهلية ومذابح، وأنها تفضي في نهاية المطاف إلى سيطرة فئة أو شعب واحد على الآخر. كما أن "إدارة الصراع" تؤدي إلى المزيد من العنف الذي ينفجر بين الفينة والأخرى، كما جرى خلال العقود الثلاثة الأخيرة وبلغ ذروته في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

أسباب فشل تطبيق اتفاقيات أوسلو
هناك أسباب متعددة حالت دون تطبيق الاتفاقيات حتى اليوم. أولها غياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى قيادات الطرفين في مراحل مختلفة، خاصة بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي يتسحاك رابين وصعود حكومات يمينية في إسرائيل تعارض إقامة دولة فلسطينية، وتوسيع الاستيطان الإسرائيلي. وفي الجانب الفلسطيني، أقدمت حماس على إطلاق سلسلة من العمليات الإرهابية المروعة واندلاع الانتفاضة الثانية، فكل ذلك أدى إلى تقويض الثقة بين الطرفين وعدم إحراز التقدم.

كما أن الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة بعد عام 2007 جعل من الصعب على السلطة الفلسطينية أن تمثل جميع الفلسطينيين في أي مفاوضات. ومن جانبه، لم يُلقِ المجتمع الدولي بثقله بشكل فعّال لتطبيق الاتفاقيات، مما أضعف مصداقية العملية السياسية.

وكان اقتراح رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت آخر محاولة ذات مغزى لحل النزاع، إلا أن هذا الاقتراح لم يُكتب له النجاح أيضاً بسبب الظروف السياسية المعقدة لدى الطرفين في ذلك الحين.

سبل الخروج من المأزق
إن التطورات الإقليمية الأخيرة، العسكرية والسياسية، ومنها تراجع قوة محور "المقاومة" وفي مقدمته إيران، تتيح الفرصة لإيجاد تحالف إقليمي جديد بين الدول العربية المعتدلة ودولة إسرائيل، والذي كانت "اتفاقيات إبراهيم" المبادرة إليه. وبضمن هذا التحالف سيتم تفعيل اتفاقيات أوسلو مجددًا مع تعديلها لتلائم الظروف الراهنة.

ولكن من أجل تفعيل هذه الاتفاقيات، لا بد من اتخاذ خطوات شجاعة ومتبادلة. على الجانب الإسرائيلي، يجب تجميد الاستيطان والاعتراف الصريح بحل الدولتين مع التغلب على معارضة اليمين المتطرف. وعلى الجانب الفلسطيني، يتعين نبذ الحركات المتطرفة والإرهاب وإقصاؤها عن المسرح، وإصلاح المؤسسات السياسية لضمان تمثيل شامل وفعّال في أي عملية تفاوضية.

أما على المستوى الدولي، فيجب على الولايات المتحدة ودول أوروبا والمجتمع الدولي ككل أن تتخذ دورًا أكثر فاعلية لدفع الطرفين إلى العودة إلى المفاوضات على أساس أوسلو. كما ينبغي إشراك الدول العربية المعتدلة، لضمان بيئة إقليمية داعمة.

وفي الختام، بالرغم مما تعرضت له اتفاقيات أوسلو من انتقادات وإخفاقات، فإنها لا تزال تشكل، بنظري، الطريق الواقعي الوحيد لحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. إن الحلول الوهمية، أي محو دولة إسرائيل أو ضم المناطق الفلسطينية، أثبتت فشلها، في حين تبقى أوسلو، مع التعديلات التي سيتم الاتفاق عليها، الإطار الأكثر توازنًا وقابلية للتطبيق، شريطة توافر الإرادة السياسية وتجديد الالتزام بها من الجانبين والمجتمع الدولي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.