: آخر تحديث

اغتيال المرشد الإيراني: ضرورة إسرائيلية أم رغبة أميركية مؤجلة

4
3
3

دوايت إيزنهاور، الرئيس الأميركي الرابع والثلاثون للولايات المتحدة، اعتبر نجاح الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق عام 1953 بأنّها "أكثر شبهًا برواية العشرة سنتات منها حقيقةً تاريخيّة". أمّا ونستون تشرشل البريطاني فقد عبّر عن فرحته بمحاولة اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر من قبل الإخوان المسلمين عام 1954، في رسالةٍ كتبها بشكلٍ ساخر "يهنئه فيها على هروبه".

دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابع والأربعون – كذلك هو الرئيس الـ45 – حذّر علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، من إمكانية اغتياله في 15 حزيران (يونيو)، بالإعلان عن رفضه لخطةٍ إسرائيلية سعت لتصفيته، ليتحوّل التنبيه إلى تحذيرٍ في 17 حزيران (يونيو): "نحن نعلم المكان الآمن الذي تختبئ فيه". مما دفع الأخير، وفي يوم 21 حزيران (يونيو) 2025، إلى تعيين ثلاثة من رجال الدين لخلافته، ليُبطل تفجير نظام ولي الفقيه في إيران إذا ما تمَّ اغتياله. جاء التعيين قبل ساعات من توجيه ضربة أميركية ضد المواقع النووية الإيرانية فجر يوم 22 حزيران (يونيو).

"التجميد البيولوجي"
ديفيد إغناتيوس، الصحفي الأميركي الشهير، رأى أنّ "التفكير في اغتيال قائد دولة أجنبية ما كان ممكنًا قبل عشرين عامًا". لا أدري لماذا استبعد ذلك، وهو الذي يمتلكُ ماضيًا في دائرة المخابرات المركزية الأميركية؟ فالرئيس ترامب في 2025، وهو يُفكّر باغتيال المرشد الإيراني، يسير على خُطى CIA عام 1959، عندما سكّت مصطلح "التجميد البيولوجي" لفكرة اغتيال أحمد سوكارنو، الرئيس الإندونيسي الأسبق. كانت تبحث فقط عن عميل "يستطيع الاقتراب بما فيه الكفاية لإنجاز ذلك".

الولايات المتحدة الأميركية تمارسُ، عبر الرئيس ترامب، حربًا سيكولوجية ضد العالم لإقناعهِ بأن لا أحد غيرها يمتلكُ الجرأة والموارد لقيادته. مثلًا، وبما يناسب سياق المقال، استخدم الرئيس الأميركي الذكاء الاصطناعي في الرابع من أيار (مايو) الماضي ليُظهر نفسه كـبابا الفاتيكان. في الثامن من أيار (مايو) 2025، انتخب الكرادلة في كنيسة السيستين بابا أميركي الجنسية خلفًا لسلفه الراحل البابا فرنسيس. إيرانيًا، تحاول واشنطن عبر رضا بهلوي، النجل الأكبر لشاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي، إقناع ولي الفقيه والشعب الإيراني باقتراب لحظة "طيران رضا بهلوي منفيًا من واشنطن ليهبط حاكمًا كما طار الخميني كرجل دينٍ من باريس ليُحمل وليًا للفقيه على الأكتاف في طهران".

موسم التجميد البيولوجي ضد قادة عسكريين وعلماء ذرة إيرانيين افتتحهُ الإسرائيليون في يوم 13 حزيران (يونيو)، وما زال مستمرًا، فيه أيضًا خميرة تاريخيّة، نفشت تلك الاغتيالات كـ"خوارق موساد". طريقة استهداف الشخصيات الرئيسية في لائحة اغتيالات المخابرات البريطانية والأميركية في سوريا أربعينيات القرن الماضي، أكّدت، وبحسب روري كورماك، على قاعدة عدم التسبب برفع "درجة الحذر الأمنية والحماية الشخصية عند المسؤولين ليكونوا مكشوفين وعُرضة للاغتيال في أي وقت. ذلك يتم بدون أن تُعطي المخابرات في هذين البلدين أي أمر مباشر بالاغتيال". هكذا نستطيع أن نفهم النجاح الإسرائيلي "أصول بشرية في إيران عمرها عقود دمجت نفسها في تفاصيل الحياة اليومية لرجال النظام وبالتالي تستطيع اختيار توقيت يبدو خارقًا للمألوف".

اغتيال المرشد ضرورة أم لا
إيران كانت وما زالت من أحد أسباب "الغفلة الاستراتيجية" الأميركية. كيرت كامبل، مساعد وزير خارجية أسبق لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، سكّ هذا الوصف ليختصر الأثر الذي تسبّبهُ إيران وغيرها في تأخير تركيز واشنطن على الصين: "الشلل الذي أصاب أذرع واشنطن، من المُطالبات المستمرة لها بالحِفاظ على التوازنات داخل الشرق الأوسط، حتى لو وصل الأمر إلى سلسلةٍ من الحروب اللامتناهية". إسرائيل بدورها، وبسبب علاقاتها مع واشنطن ولوبي إيباك، رفعت وزن طهران في ميزان "الغفلة الاستراتيجية" الأميركية بعد العراق. ما علينا إلّا أن نتذكر تقرير "الاختراق النظيف" الشهير لكل من ريتشارد بيرل وديفيد ورمسر عام 1996، الذي أوصى بنيامين نتنياهو عند استلامه السُّلطة باتخاذ "إسرائيل الخطوات اللازمة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بأكمله". ستيفن والت وجون ميرشايمر، في كتابٍ لهما عام 2006، ذكرا ما تخطط إسرائيل لفعله بواسطة الولايات المتحدة: "الحرب التالية ستكون ضد إيران، وهي ليست كما نأمل حربًا عسكرية".

اغتيال المرشد الإيراني، بالتعاون بين تل أبيب وواشنطن، ينتظر ردّة فعلٍ من طهران باستهداف القواعد العسكرية الأميركية. أمّا ضربة الأخيرة الناجحة ضد منشآت إيران النووية، فهي ليست كافية لتبرير انحراف الرئيس ترامب عن سياسة "أميركا أولًا". ولا لتعديل الصورة الإسرائيلية في الداخل الأميركي – أطلب من القارئ الاطلاع على مقالي السابق الذي حمل عنوان "مهلة الأسبوعين الترامبية: تحضير لضربة سيبرانية ضد الرأي العام الأميركي" – كذلك فإن ترامب ونتنياهو لن يبدّدا حاليًا أرباح سياسة ترويج الخوف بين شعبيهما، الذي يجعل من الصعب، بحسب ميرشايمر، "بناء جدار ناري بين السياسة المحليّة والخارجية". هما يريدان الحفاظ على هذه الميوعة، على الأقل لحين معرفة الآثار الواقعية لإعلان المرشد الإيراني تعيين خلفاء له، ورؤية فيما إن كان ذلك سيؤدي إلى تماسك أداء النظام، أو كونه صرخة يأس.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.