منذ أربعين عاماً يحكم الملالي المعمّمون دولة إيران، وريثة أحد أعظم الإمبراطوريات في التاريخ. ومنذ أربعين عاماً يخوض هؤلاء حرباً "مقدّسة"! هي بالأساس لا ناقة لهم فيها ولا جمل. فالصراع في فلسطين لم يكن يوماً صراعاً بين المسلمين واليهود على أساس ديني، ولا هو صراع مذهبي بين السنة والشيعة، بل كان صراعاً على أرضٍ محتلة غصباً وظلماً؛ فالعرب دافعوا عن فلسطين باعتبارها أرضاً عربية مغتصبة، حاولوا طوال ثمانين عاماً استرجاعها، ولكنهم فشلوا.
لم تكتفِ الجمهورية الإسلامية بإشهار عدائها لإسرائيل فحسب، بل حاولت تحت غطاء "تصدير الثورة" زعزعة استقرار دول هي بالأساس تشاركها العداء لإسرائيل والصهيونية العالمية. فاحتلت العراق وجعلته حديقتها الخلفية. ودعمت حزب الله وزعزعت الاستقرار الطائفي في لبنان. ثم سلّحت الحوثيين لمواجهة السلطة الشرعية في اليمن. وساعدت نظام بشار الأسد على قتل السوريين وليس مواجهة إسرائيل وتحرير هضبة الجولان. كل هذه المغامرات التي لم تجنِ منها إيران وشعوبها إلا المزيد من الخراب والدمار والعزلة والكراهية العالمية وفرض حصار قاسٍ على البلد، أودى بالانتعاش الاقتصادي في البلاد.
إيران تمتلك ثروات هائلة من النفط والمصادر الطبيعية، ولو نأت بنفسها عن الصراعات العبثية في المنطقة واستثمرت هذه الثروات، وبما تمتلكه من خبرات كبيرة في مجال الإنتاج، لكان بإمكانها أن تكون قوة اقتصادية عظمى في المنطقة وتنهض بالبلاد على غرار نهوض اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية بعد طي صفحة الحروب والصراعات والتدخلات غير المبرّرة في شؤون الدول ومحاولة تصدير الثورة إليها.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ودمار بلديهما، أفاق قادة عقلانيون في ألمانيا واليابان من تجربة الهزيمة المرة في الحرب وتخلّوا تماماً عن فكرة التوسع واستعمار البلدان، وصرفوا جهودهم من أجل البناء والإعمار، ولم تكد تمر إلا سنوات قليلة حتى أصبحتا أعظم دولتين من الناحية الاقتصادية في العالم، وحوّلوا جحيم الحرب إلى نعيم مستقر يُحسدون عليه. فهل سيعود ملالي طهران إلى رشدهم ويستوعبون تلك التجارب المريرة للحروب والاستعمار وتصدير الأيديولوجيات؟
لا شك أنَّ الشعب الإيراني سيعاني كثيراً في الداخل. وقد حان الوقت لتقدير صمود وصبر هذا الشعب على مغامرات النظام وسعيه لخوض الحروب بالوكالة عن الآخرين، وعلى حكّام إيران أن يعودوا للاهتمام بشعوبهم وحاجاتهم بدل صرف مئات المليارات على إنتاج قنبلة نووية لا تستطيع أي دولة في العالم أن تستخدمها في الواقع، حتى في أشد حالات الحرب والصراعات، وأن يتوقفوا عن تمويل العمليات الإرهابية في أرجاء العالم، ويتخلّوا عن زعزعة أمن واستقرار دول المنطقة، وأن ينصرفوا لبناء البلد الذي دمّرته الحروب والمغامرات الطائفية من خلال الانفتاح على الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن يحاولوا كسب الشعوب الإيرانية وحركاتهم السياسية، وأن يكفّوا عن التدخل فيما ترتديه النساء، وأن يوقفوا حملات الإعدامات بالرافعات في الساحات، وأن يعدّلوا قوانينهم بما يتناسب مع روح العصر، وأن يكفّوا عن زعامة وهمية للصراع العربي الصهيوني، وينصرفوا لإعادة بناء بلدهم باستلهام تاريخ إيران الحضاري.
فهل يا ترى سيفعل ملالي طهران ذلك، أم سيبقون شعوبهم على حالهم هذا من القمع والقتل والإعدامات والتدخل في أبسط حريات الإنسان ليلاقوا في الأخير نفس مصير الأنظمة الدكتاتورية التي زالت الواحدة تلو الأخرى نتيجة الحروب والقمع السلطوي؟
ولقد صدق الشاعر الكبير محمود درويش حين قال: "ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وتبقى تلك العجوز، تنتظر ولدها الشهيد، وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب، وأولئك الأطفال، ينتظرون والدهم البطل! لا أعلم من باع الوطن، ولكنني رأيتُ من دفع الثمن".