قد ينعكس الاعتداء الإيراني على قطر حتى وان كان محدوداً و منقطعاً على دبلوماسية المساكنة السائدة حالياً بين شمال الخليج وجنوبه بصورة سلبية. ولربما يدفع الحادث العلاقة الإيرانية - الخليجية الى "مرحلة التوتر المكتوم” ويعيد تشكيل المنظومة الخليجية بصورة امنية أوضح ضد طهران. بعدما توسلت الجمهورية الإسلامية هيبتها المهزوزة من حسابات السيادة الخليجية.
لقد اظهرت البيانات السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي بعد العدوان الإيراني على اراضي وسيادة قطر مساء الاثنين (23 يونيو) لغة حازمة وصارمة تجاه طهران. تنذر بكثير من الاشياء العارضة اقلها عدم الثقة بالجمهورية الاسلامية وبسياساتها الاقليمية ما يؤدي لتراجع بدرجة ما في العلاقات الخليجية الإيرانية التي تحسنت وتطورت بعد مصالحة بكين بين الرياض وطهران. وربما تنزع دول مجلس التعاون لمقاربة جديدة تجاه طهران التي لطالما اظهرت حرصاً موارباً على التعاون الاقليمي والانفتاح على الدول العربية في الخليج . لكن ممارساتها الميدانية تبعث على كثير من الشكوك وأقرب دليل على ذلك عدوانها على قطر.
فاذا كانت الدوحة وهي التي قد انخرطت في دبلوماسية المخادنة مع طهران منذ ثلاثة عقود وانتهجت سياسة الحياد مع الاستراتيجيات الإيرانية وقدمت المبادرات وطرحت الوساطات لإنقاذ النظام الايراني من انتكاساته السياسية ، وسعت لحمايته من الضغوط والحروب تتلقى اليوم هذه المكافأة الخشنة فكيف بمن تقاسمت طهران معهم الشكوك والأزمات والقطيعة المرة.
لقد بادرت السعودية - وهي رائدة المواقف الشجاعة - بإصدار بيان قوي وحازم ضد ما سمته "العدوان الذي شنته إيران على دولة قطر الشقيقة، " الذي عدته الرياض "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ومبادئ حسن الجوار" وشددت المملكة في بيان صادر من وزارة الخارجية بانه "أمر مرفوض ولا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال".
وفي تعبير سياسي يمثل قمة التضامن في الدبلوماسية السعودية اكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لأمير قطر الشيخ تميم في اتصال هاتفي " أن المملكة وضعت كافة إمكاناتها لمساندة الأشقاء في دولة قطر لما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها والمحافظة على سيادتها." وهذا يعني في اللغة السياسية تسخير كافة الإمكانات والقدرات السعودية للدفاع عن امن وسيادة قطر . ويأتي مواكباً بدرجة او اخرى موقف دولة قطر وتأكيدها في بيان خارجيتها بانها "تحتفظ بحق الرد المباشر بما يتناسب مع شكل وحجم هذا الاعتداء السافر وبما يتوافق والقانون الدولي".
وصدرت بيانات قوية متضامنة اخرى من دول مجلس التعاون وأمين عام المجلس.
وقد عبر الناطق باسم الخارجية القطري د. ماجد الأنصاري عن شكر بلاده لهذا التضامن من الدول الشقيقة.
ومن الغريب ان قناة الجزيرة - رغم الامتنان الحكومي القطري - تجاهلت إذاعة بيانات التنديد الخليجية والمواقف الدعمة للدوحة !!...
من جهتها سخرت الدوحة هذا الدعم والالتفاف الاقليمي والعربي لتوظيفه في خدمة دبلوماسيتها التي قال عنها الأنصاري انها لن تتغير . والمتمثلة في استمرار الوساطات بين ايران من جهة والولايات المتحدة والقوى الغربية من جهة اخرى . والتي أعلن عن نجاحها في التوافق على وقف اطلاق النار .
وسواء نجحت الوساطة القطرية في وقف اطلاق النار. ام لا فان الاعتداء الايراني على اراضي قطر وسيادتها جرح قد لا يندمل لانه انغرس في قلب المصداقية السياسية الإيرانية . وفي خاصرة الصلات العربية الايرانية .
الانعكاسات
بصرف النظر عن المفارقة في ثنائية دبلوماسية الوساطات القطرية والامن القومي القطري ، وهو ماعبر عنه صحافي قطري في المؤتمر الصحفي للمتحدث الرسمي للخارجية ماجد الأنصاري عندما تساءل عن الحكمة في استمرار التوسط لايران وهي تضرب الاراضي القطرية.
فان الاعتداء الإيراني على قطر يُمثل تصعيداً غير مسبوق وخطير في العلاقة بين طهران ودول الخليج، لأنه يمس دولة كانت تاريخياً أكثر الدول الخليجية ضبطاً للنفس في العلاقة مع إيران. وأي استهداف لدولة خليجية مثل قطر يخرج العلاقة من خانة “الاحتكاكات المسيطر عليها ” إلى خانة “العدوان على السيادة الوطنية ”. والانعكاسات في هذه الحالة قد تكون عميقة واستراتيجية .
فرملة التعاون مع طهران: الحادثة ستقوي حجج منتقدي التقارب مع ايران وتضعف مؤيدي تسريع التعاون ، والبيئة التي خلفها الاعتداء يسودها الغضب والتشاؤم لانها لم تحترم خصوصية الدور القطري في المسألة الإيرانية. واختارت معسكر (العديد) دون غيره للثأر من الاستهداف الأمريكي للمفاعلات النووية.
رؤية مشتركة: لقد تمايزت بعض دول الخليج مثل قطر وعمان في مواقفهما تجاه إيران مقارنة بالسعودية والإمارات والبحرين والكويت سواء بسبب علاقاتهما مع طهران أو موقفها من حزب الله أو الحوثيين. والاعتداء الإيراني قد يعيد التفكير في الحياد الذي لم ينفع في لجم الصلف الإيراني الذي تعامل مع احدهما كخصم لا شريك.
تطوير التعاون الامني: من المتوقع ان تدفع الحادثة إلى تعزيز التعاون الامني والعسكري وتسريع خطط التنسيق في خطط الدفاع الجماعي. خاصة في الدفاع الجوي والمراقبة البحرية.
ان الانعكاسات التي سيتركها الحادث على دول المنطقة تتوقف على التوجهات الايرانية بعد وقف اطلاق النار . فاذا ما تسبب الدمار الواسع الذي لحق بالمنظومة العسكرية والبنية التحتية في عقلنة السياسة الإيرانية الاقليمية ؛ لحاجة البلاد إلى اعادة البناء وتنشيط الاقتصاد وتخفيف اثار الحرب. فقد تقلص هذه التوجهات المستجدة من الانعكاسات السلبية على علاقاتها الخليجية.
ان التوازن الهش في البيئة الاقليمية الناتج عن الحرب والمشوب بالتوترات المخاتلة والمحكوم باعتبارات الردع ستسهم في تحديد طبيعة العلاقات بين قوى المنطقة بما في ذلك العلاقات الخليجية العربية مع ايران وهي ستبقى على كل حال علاقات متوجسة وقلقة.