: آخر تحديث
رسالة إلى الرئيس دونالد ترمب:

‏"سفر الخروج" نحو سلام شامل في الخليج

3
3
3

‏السيد الرئيس دونالد ترمب،

تحية طيبة، وبعد،

‏لقد قرأنا عن نيتكم اعتماد مصطلح "الخليج العربي" بدلاً من "الخليج الفارسي" في الأدبيات الرسمية لإدارتكم. ورغم أنَّ هذه الخطوة ستُقابل بترحاب واسع لدى دول الخليج، فإنها تبقى رمزية ومحدودة الأثر ما لم تُرفَق بخطوة أكثر جرأة وعمقًا: استراتيجية سلام فعلي تضع حدًّا لعقود من التوتر الإقليمي.

‏لقد ورثتم يا فخامة الرئيس منطقةً مثقلة بصراعات مستمرة، كان لإيران فيها دور مركزي كطرف مزعزع للاستقرار، نتيجة لتراكمات السياسات الأمريكية المترددة أو المتقلبة. ورصد المراقبون السياسون - خلال الـ 100 يوم الأولى من ولايتكم الثانية - سعيكم إلى تحقيق توازن دقيق بين الردع العسكري أو الحلول الخشنة، والدبلوماسية المرنة، مع ميلكم للخيار الثاني بشكل واضح. وبأن هناك 3 محاور ترتكز عليها سياستكم بالشرق الأوسط*:

المحور الأول: تشجيع تدفق الاستثمارات وإبرام الصفقات التجارية (كوسيلة لتعزيز النفوذ الأميركي الاقتصادي في المنطقة)، وتبرز في هذا السياق الاستثمارات السعودية والإماراتية التي تم الإعلان عنها على سبيل المثال.

‏المحور الثاني: الاعتماد على القوى الإقليمية للقيام بدور الوساطة في تسوية النزاعات الدولية، بما يقلل الانخراط المباشر لواشنطن ، وكان هنا للمملكة العربية السعودية جانبا كبيرا في هذا المحور.

‏المحور الثالث: احتواء التهديدات الأمنية عبر الجمع بين التحذير باستخدام القوة العسكرية والإبقاء على خيار التصعيد مفتوحًا عند الضرورة (العلاقة مع إيران نموذجاً).

‏وأرى يا فخامة الرئيس إن كنتم جادّين في إعادة تعريف دور الولايات المتحدة كصانع للسلام، فإنَّ الفرصة سانحة اليوم لتبنّي مبادرة إقليمية تنهي هذه الدوامة وتُعيد الخليج إلى مساره الطبيعي كجسر للتنمية والطاقة والتوازن الجيوسياسي.

رؤية لمستقبل الخليج
في 23 تموز (يوليو) 2017، طرحتُ مبادرة سميتُها "سفر الخروج"، وهي رؤية لاتفاقية سلام شامل بين القوى الإقليمية الأساسية:

المملكة العربية السعودية (كممثل لمجلس التعاون الخليجي)،

‏الجمهورية الإسلامية الإيرانية،

‏جمهورية تركيا.

‏المبادرة لا تقوم على تقاسم النفوذ أو رسم خطوط التماس، بل على الخروج من دوائر الاستنزاف نحو تكامل أمني واقتصادي، برعاية أمريكية. وقد اخترتُ عنوان "سفر الخروج" كإشارة رمزية إلى مغادرة مرحلة التيه السياسي والحروب العقيمة نحو أرض الوعد: السلام الهيكلي الدائم.

أبرز بنود مبادرة "سفر الخروج" (2017)
1. مفاوضات مباشرة سعودية – إيرانية على أساس المصالح الحيوية لا مناطق النفوذ الرمادية.

‏2. تحالف ثلاثي (سعودي – إيراني – تركي) يشكّل دعامة للاستقرار الإسلامي والإقليمي.

‏3. تنسيق إقليمي لحل النزاعات بالوكالة في اليمن، العراق، سوريا، ولبنان.

‏4. دمج تركيا أمنيًا واقتصاديًا ضمن النظام الخليجي لمعادلة التوسع الإيراني.

‏5. إشراك إسرائيل في الحل النهائي بطريقة غير مباشرة، عبر تطبيع مشروط بتنفيذ مبادرة السلام العربية (قمة بيروت 2002)، بما يشمل إقامة دولة فلسطينية وعودة اللاجئين.

المصلحة فوق الأيديولوجيا
إنَّ المشهد العالمي المتغير، والمنافسة الدولية المحتدمة، تفرض على دول الخليج إعادة صياغة معادلة أمنها الجماعي. وزيارتكم المرتقبة إلى المملكة يجب أن تمثّل منعطفًا نوعيًا نحو سلام جاد، لا مجرد تمديد لسلام هشّ.

‏فقد أثبت الواقع أن:

‏المواجهة العسكرية مع إيران غير حاسمة ومكلفة.

‏العقوبات الاقتصادية زادت من تشدد طهران ولم تغيّر سلوكها.

‏الحل الحقيقي هو في إدماج إيران ضمن نظام أمني إقليمي بضمانات واضحة.

‏والمفارقة أن إيران نفسها تحتاج للخليج أكثر مما يظن قادتها، إذ أن 40 بالمئة من صادراتها تمر عبر مياه الخليج العربي، والخليج بدوره يحتاج لإيران كممر استراتيجي للطاقة نحو أوروبا عبر العراق وسوريا.

‏وفقًا لتقديرات Watson Institute (2023)، فإنَّ تكلفة الصراعات في المنطقة منذ 2001 بلغت ما يتجاوز 12 تريليون دولار، إضافة إلى أكثر من مليون قتيل مدني، غالبيتهم في الحروب بالوكالة**.

‏السعودية تصنع التاريخ... فهل تصنعونه أنتم معها؟
‏اليوم، تدعو المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، إلى تحويل الرياض إلى عاصمة للسلام العالمي، بدعوة مشتركة لكم وللرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضور قمة قد تُنهي الحرب في أوكرانيا.

‏ولعل هذه اللحظة تمثل فرصة لكم أيضًا لتكونوا عرّاب سلام الخليج، ورائد التغيير في أكثر مناطق العالم توترًا.

كيف يمكنكم تبنّي المبادرة؟
1. إعلان مؤتمر سلام خليجي برعاية أميركية – سعودية – أممية.

‏2. تقديم ضمانات أمنية متبادلة مقابل التزامات سياسية إيرانية بوقف التدخلات الخارجية.

‏3. دمج تركيا اقتصاديًا وأمنيًا ضمن ترتيبات جديدة (مثل ممر التنمية الخليجي – العراقي – التركي نحو أوروبا).

الخاتمة: إلى جبل رشمور؟
‏السيد الرئيس،

‏التاريخ لا يُخلد من يغيّر المصطلحات، بل من يغيّر المسارات.

‏إن تبنيكم مبادرة "سفر الخروج" سيجعل منكم رئيسًا استثنائيًا لا في سجل أميركا فقط، بل في الذاكرة الجيوسياسية للمنطقة. سيكون ذلك "صفقة القرن" الحقيقية — لا بين العرب وإسرائيل فقط، بل بين كل القوى الإقليمية الفاعلة.

‏بذلك، سيُقال إن دونالد ترمب هو من أخرج الخليج من لهيب الصراعات إلى سلام التاريخ… وقد يكون له تمثال يومًا في جبل رشمور، لا كرمز لقوة، بل لصانع سلام.

‏مع خالص التقدير،

‏السفير الدكتور عبدالعزيز بن حسين الصويغ


* CNBC عربية
** Watson Institute – Cost of War Project


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.