: آخر تحديث

مجلس الأمن.. هل حان وقت التغيير؟

3
3
3

في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، يبرز سؤال ملح حول مدى تمثيل مجلس الأمن الدولي للواقع الجيوسياسي المعاصر، وما إذا كان قد حان الوقت لتوسيع قاعدته من خلال إضافة دول ذات ثقل إقليمي ودولي مثل المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية. فالمجلس، الذي يعد أهم أجهزة الأمم المتحدة المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين، لا يزال يعكس في تركيبته توازن القوى الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية، دون أن يراعي التحولات الكبيرة التي طرأت على الساحة الدولية منذ ذلك الحين.

تتمتع السعودية ومصر بمقومات تؤهلهما ليكونا عضوين فاعلين في مجلس الأمن، سواء بشكل دائم أو غير دائم. فالمملكة العربية السعودية، بوصفها أكبر اقتصاد عربي ولاعبًا رئيسيًا في أسواق الطاقة العالمية، تمتلك تأثيرًا اقتصاديًا وسياسيًا لا يمكن تجاهله. كما أنها تلعب أدوارًا محورية في حل النزاعات الإقليمية، مثل أزمة اليمن ووساطاتها بين إيران والدول العربية. أما مصر، فبفضل موقعها الجيوسياسي الفريد كجسر بين أفريقيا والشرق الأوسط، وقوتها العسكرية والدبلوماسية، تظل لاعبًا أساسيًا في القضايا الإقليمية والدولية، بدءًا من أزمة سد النهضة وصولًا إلى مشاركتها الفاعلة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

ومع ذلك، فإن فكرة توسيع مجلس الأمن لتشمل هاتين الدولتين تواجه تحديات كبيرة، أبرزها معارضة القوى العظمى الحالية التي قد ترى في هذا التوسيع تهديدًا لنفوذها التقليدي. كما أن الانقسامات العربية الداخلية قد تعيق التوصل إلى موقف موحد يدعم ترشيحًا عربيًا مشتركًا. بالإضافة إلى ذلك، تبقى هناك أسئلة حول طبيعة العضوية المرجوة، هل ستكون دائمة أم غير دائمة، وهل ستترافق مع حق النقض (الفيتو) أم لا؟

إقرأ أيضاً: من الرياض إلى واشنطن.. لا صفقات دون كرامة

رغم هذه التحديات، فإن إصلاح مجلس الأمن ليشمل دولًا مثل السعودية ومصر ليس مجرد مطالب إقليمية، بل هو ضرورة لتعزيز شرعية المجلس وفعاليته في معالجة القضايا الدولية. ففي عالم يتسم بتعدد الأقطاب وتصاعد دور القوى الإقليمية، يصبح من غير المنطقي استمرار هيمنة عدد محدود من الدول على صنع القرارات المصيرية التي تؤثر على مليارات البشر. ولتحقيق ذلك، لا بد من دفع الأمم المتحدة نحو مفاوضات جادة حول إصلاح المجلس، وتعزيز التحالفات الدبلوماسية بين الدول النامية لدعم التمثيل العادل، وتقديم مقترحات عملية لتوسيع العضوية بشكل يعكس واقع القرن الحادي والعشرين.

تشير التحولات الاقتصادية الكبرى إلى صعود لا يمكن إنكاره للدول النامية والناشئة، حيث تمثل اقتصادات مجموعة بريكس مجتمعة ما يزيد عن ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي. في هذا السياق، تحتل السعودية المرتبة الثامنة عشرة بين أكبر اقتصادات العالم بمحصول قومي يتجاوز 800 مليار دولار، بينما تحقق مصر قفزات اقتصادية كبيرة تضعها على أعتاب المراكز الأربعين الأولى عالميًا. هذه الأوزان الاقتصادية التي تفوق العديد من الدول الأوروبية الأعضاء في المجلس، تجعل من غير المنطقي استمرار إقصاء هاتين القوتين الإقليميتين عن دائرة صنع القرار الدولي، خاصة وأن مساهمتهما المشتركة في الاقتصاد العالمي تصل إلى 4 بالمئة وفقًا لأحدث البيانات.

على الصعيد الأمني، تغيرت طبيعة التهديدات بشكل جذري منذ تأسيس الأمم المتحدة. فلم تعد الحروب التقليدية بين الدول هي التحدي الوحيد، بل برزت مخاطر عابرة للحدود مثل الإرهاب الدولي والجرائم السيبرانية وتحديات تغير المناخ. السعودية التي تقود تحالفًا إسلاميًا لمحاربة الإرهاب يضم 41 دولة، ومصر التي تشارك بجنودها في 37 بعثة لحفظ السلام منذ 1960، تمثلان حجر الزاوية في مواجهة هذه التحديات الأمنية الجديدة. هذه الأدوار الفاعلة تطرح تساؤلًا جوهريًا: كيف يمكن لمجلس الأمن أن يتصدى بفعالية لهذه التهديدات وهو يغيب عنه أهم اللاعبين الإقليميين الذين يتحملون العبء الأكبر في مواجهتها؟

إقرأ أيضاً: الاقتصاد العالمي في مواجهة العواصف

من ناحية أخرى، تشهد الخريطة الديموغرافية العالمية تحولات كبرى تفرض إعادة النظر في التمثيل الجغرافي. العالم العربي الذي يضم أكثر من 400 مليون نسمة لا يتمتع بأي تمثيل دائم في المجلس، بينما تظل أفريقيا التي تضم 17 بالمئة من سكان العالم ممثلة تمثيلًا ناقصًا. هذا الخلل البنيوي يصبح أكثر وضوحًا عندما نعلم أن السعودية ومصر تقعان عند أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم، حيث يمر عبر مضيق هرمز وقناة السويس ما يزيد عن 20 بالمئة من التجارة العالمية، مما يجعلهما شريكين أساسيين في حفظ الاستقرار الدولي.

الأجندة الدولية نفسها شهدت تحولًا جذريًا في أولوياتها. فقضايا أمن الطاقة التي تمثل السعودية ركنًا أساسيًا فيها، والأزمات المائية التي تواجه مصر في ملف سد النهضة، لم تعد مجرد قضايا إقليمية بل أصبحت شواغل عالمية. السعودية التي تسهم باستقرار أسواق الطاقة العالمية، ومصر التي تواجه تهديدًا وجوديًا يتعلق بحصة 100 مليون مواطن من مياه النيل، هما الأجدر بالمشاركة في صنع القرارات الدولية المتعلقة بهذه الملفات المصيرية. هذا الواقع يعززه الدور الإنساني المتزايد للدولتين، حيث قدمت السعودية مساعدات إنمائية بقيمة 1.3 مليار دولار في عام 2022 فقط، بينما عززت مصر مكانتها كمركز للوساطات الإقليمية ومقر للعديد من المنظمات العربية والأفريقية الفاعلة.

إقرأ أيضاً: ما بعد المليار.. كيف نعيد الأمل في امتلاك سكن للمواطن السعودي؟

في هذا السياق، لم يعد إصلاح مجلس الأمن خيارًا بين خيارات، بل أصبح ضرورة تاريخية تفرضها التحولات الكبرى في موازين القوى العالمية. إن إدراج دول مثل السعودية ومصر في عضوية المجلس لن يكون مجرد خطوة تصحيحية لخلل تاريخي، بل سيشكل إضافة نوعية تزيد من فعالية المجلس وشرعيته في التعامل مع التحديات المعقدة لعصرنا. فالعالم الذي تغيرت معادلاته بشكل جذري لم يعد يحتمل مؤسسات تجمدت في زمن لم يعد موجودًا، مما يستدعي جرأة في إعادة التشكيل تضمن تمثيلًا عادلًا للقوى الفاعلة في القرن الحادي والعشرين، وتحفظ للأمم المتحدة دورها كمنبر فعال لحل النزاعات وإدارة الشؤون الدولية في عالم يتسم بتعدد الأقطاب وتعقيد التحديات.

هذه المطالب الرسمية لم تأتِ من فراغ، بل تستند إلى تحليلات الخبراء والمفكرين الاستراتيجيين الذين يرون في الإصلاح مسألة وجودية لمستقبل النظام الدولي. فبرتراند بادي، الخبير الفرنسي البارز في العلاقات الدولية، حذر في مقال له بمجلة "فورين أفيرز" من أن استمرار إقصاء دول مثل السعودية ومصر والهند وجنوب أفريقيا يهدد مصداقية المجلس برمته. هذا التحليل يتوافق تمامًا مع رؤية جوزيف ناي الأكاديمي من جامعة هارفارد الذي أكد في كتابه "مستقبل القوة" أن الاستقرار الدولي أصبح رهنًا بإدماج القوى الجديدة في هيكل الحوكمة العالمية، معتبرًا أن دولًا بحجم وتأثير السعودية ومصر وتركيا وإندونيسيا لم تعد قابلة للتجاهل في أي معادلة إصلاحية حقيقية.

في قلب هذه المعادلة المعقدة، يقف الدكتور نبيل العربي، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، ليوجه سؤالًا وجوديًا يلخص مأساة الوضع الراهن: "كيف تقرر دول بعيدة عنا مصيرنا دون أن يكون لنا صوت؟". هذا السؤال الذي يبدو بسيطًا في صياغته يحمل في طياته إدانة قوية لنظام دولي يعاني من أزمة شرعية متنامية. فالقرارات المصيرية التي تُتخذ في مبنى الأمم المتحدة بنيويورك تمس مصائر ملايين البشر في المنطقة العربية وأفريقيا، بينما تبقى هذه المناطق خارج دائرة صنع القرار الحقيقية. وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار كان أكثر وضوحًا عندما أكد أن "العالم تغير، ومجلس الأمن يجب أن يتغير معه"، في إشارة إلى أن استمرار الجمود في هيكلية المجلس لم يعد متوافقًا مع تحولات موازين القوى ومتطلبات الأمن الدولي في عصرنا الحالي.

إقرأ أيضاً: أموال الظل تهدد أسواق العقار في السعودية

إدراج السعودية ومصر في عضوية مجلس الأمن سيشكل نقلة نوعية نحو تحقيق تمثيل أكثر إنصافًا وتوازنًا في المنظومة الدولية، مما سيعزز بدوره قدرة المجلس على معالجة الملفات العالمية برؤية أشمل وأكثر موضوعية. إن مسيرة التطور التاريخي لا تعرف الجمود، ومؤسسات الحوكمة العالمية مطالبة بأن تساير هذه المسيرة لتظل قادرة على الوفاء بغاياتها وأهدافها.

وبنظرة مستقبلية، فإن دمج هذه القوى الإقليمية الفاعلة في هيكل مجلس الأمن سيمثل اعترافًا بحقائق العصر الجديد، حيث تبرز مراكز قوى جديدة تسهم في تشكيل النظام الدولي. هذا التحول ليس تفضيلًا بل ضرورة تفرضها معطيات الواقع، لضمان أن تظل الأمم المتحدة ومؤسساتها قادرة على الاستجابة للتحديات المعاصرة بفعالية ومشروعية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.