: آخر تحديث
من المهد إلى اللحد:

سورية المحكوم عليها بثقافة الخوف

1
1
1

صدقني يا صاحبي، لسنا محكومين بالأمل، بل بالبعبع من المهد إلى اللحد. تلك من مآثر رذيلة الدولة الأسدية التي أخذت بحكمة "الناس من خوف الذل في ذل"، وتيمنت بسياسة بناء القطيع الجماهيري، فأفرطت بترسيخ "مناخ الخوف، فهو أعظم مأوى لجرثومة الضلال الجماهيري".

تبنت الدكتاتورية الأسدية ثقافة هذا الضلال، بطرق لا تُحصى، وآخرها تجلّى بإعلان الدكتاتور القاصر بشار الأسد برنامجه الانتخابي الذي حصره بلون عيونه الزرق، وطوله الذي يزيد على المترين. وتحسّن على الشعب بمكرمة منه تعويضاً عن مخالفته الدستورية للترشح للدورة الرابعة في اغتصاب حكم سورية، فجعل شعار برنامجه: "الأمل في العمل".

ليس لنا أن نسأل كم هو مضحك أن تكون هذه الجملة برنامجاً انتخابياً لرئيس جمهورية، لكنها تجليات تخمة الدكتاتورية، وبطر الشوفينية المزيفة، وورم الذات الاستبدادية. والأكثر إضحاكاً أنَّ هذا الشعار صار برنامج عمل للمخابرات السورية، إذ ترجموا مقولة الرئيس بأن مَن لا يعتقد باطناً وظاهراً بالأمل، هو كافر بقدسية أقوال الرئيس. وهو أيضاً مسٌّ بهيبة الدولة، ونَيلٌ من مقام الرئاسة.

وفجأة تحوّل الشعب السوري عن بكرة مواليه إلى مُسبّح بحمد الأمل، مادام الرئيس نطق بهذه الحكمة الأسدية. أليس الشعب "فدا صرمايته"؟ وهو ما هتف بذلك طواعية، وإن كان هذا لشعب قد وصل الجوع به إلى المسغبة، والفساد حوّله إلى متربة مؤصدة، والظلم جعله حمّالة مفاتيح قارون قصر الشعب، وصارت الشكوى من العوز والقهر من الكبائر المحرّمة، يُحاسب عليها قانون دولة "التتييس" المقاوم. فدخل قاموس رعب السوريين (بعبعاً) إضافياً.

هل نسيت يا صاحبي حين كنا أطفالاً كانوا يُرهبوننا بالبعبع، إذا ما أحدث لعبنا الشقي ضجيجاً يعكّر صفو حديث نميمة الجارات، وإصغاء آذان الحيطان المتطوعة للبث للمخابرات؟ وكان يُحتّم علينا أن نكتم صراخنا من ألم أو من جوع، فيُخيفنا أهلنا بالبعبع. وللحق، كانت مخابرات الأسد "وطنية" بامتياز، فهي تستلهم إبداعات أهلنا في ابتكار ما يُرهبنا، ويُخيفنا مرَّة بالبعبع، وأخرى بسحاب ذيله بالطبق، وتارة الحرامي، وحيناً الشحاذة، بالرغم من أنَّ ربع الشعب السوري تحول إلى شحاذ. وإذا نحن تخلصنا من بعبع البيت، وجدنا بعبعات لا تُحصى في الحياة.

وحين ظننا أننا كبرنا، فوجئنا أنَّ رجال أمن الوطن، يُخوفوننا بما كان أهلنا يُخوفوننا به في الصغر، والخوف يا صاحبي في الكبر كالنقش على الحجر. أوَتظن أننا كنا يوماً غير حجر بعثي؟

كبرنا ووجدنا أنفسنا محكومين بالخوف من الإمبريالية، والصهيونية، والماسونية، والإخونجية، والإرهابية، وداعش على ستة أوجه، تكتيكياً، وإستراتيجياً. كنا محكومين بالخوف المؤبد من مقام الرئيس، وهيبة الدولة، والمخابرات، وكلها (بعبعات)، لأجلها نكتم أصواتنا تجاه أية موبقة، أو فساد، أو ظلم، فانحرافنا تربوياً على يد تربية المناضلين.

هرمنا وصار لدينا أطفال، وشبان نُخوفهم بالبعبع. ونحن الهرمون نُخوّف بعضنا البعض: بعبع للحيطان آذان.

أتظن يا صاحبي أن جمهورية عاش أبناؤها العلمانية البعثية من المهد إلى اللحد رهاب البعبع، ستتحرر من شعوذات الجن، وخزعبلات الخرافة البعثية، وستستعيد الجولان والقدس وطنب الكبرى؟ على فكرة يا صاحبي، تحرير القدس صار موضة قديمة. إذ ربّتنا المقاومة الأسدية منذ نعومة خوفنا على قدسية تحرير الأقصى. هرمنا ولم يتحرر، بل صارت الأولوية لتحرير حارات سورية الأسد. لم يبقَ شبرٌ من ترابها، إلا صار مثل الغربال... والأقربون أولى بالمعروف.

ونسي يا صاحبي المقاومون أنه ما لم نتحرر من بعبعاتنا المصنّعة وطنياً وقومياً، لن نُحرر ظل بعوضة.

أتصدق بعد، يا صاحبي، أن البعث يريد أن يُحررنا؟ إنما هو يريدنا عبيد رهاب بعبعه القومي العلماني الذي يتقنّع. أنسيت يا صاحبي كنا في مدارسنا الأسدية نُسأل في الفحص: ما فائدة الأغنام؟ كلنا كنا نُجيب: لحومها، ولبنها، وصوفها. أعرفت أخيراً أن رُعاتنا لا يتعبون على رعايتنا إلا للحومنا وصوفنا ولبننا... معهم حق، تلك فائدة الأغنام يا صاحبي.

ترى يا صاحبي، أتعرف ما الفرق بين أبناء يعرب و"أبو صابر" الذي يحمل الفاكهة على ظهره، وهو جائع، ويُضرب بالكرباج ويصرخ راكبه عليه: صحيح إنك حمار... أتظن نحن سواه في ظل علمانية البعث؟ ألم يكن شعاره: كلنا رفاق.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.