طشقند (أوزبكستان) : حجزت أوزبكستان بطاقتها إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم للمرة الاولى في تاريخها، في إنجاز يعكس سنوات من التطور المضطرد في جزء من العالم لا يملك حضورا كرويا ملحوظا.
وتأهل البلد الواقع في وسط آسيا للمرة الاولى الى المسابقة الأرفع في كرة المستديرة الخميس عقب تعادله سلبا مع الامارات، حاسما عبوره الى مونديال 2026 قبل جولة من النهاية.
ورفعت اوزبكستان رصيدها الى 18 نقطة في المركز الثاني لترافق ايران المتصدرة التي كانت ضمنت تأهلها في وقت سابق.
وقال رجل الأعمال الأوزبكي أوتابك حيدروف، البالغ من العمر 36 عامًا، لوكالة "فرانس برس" في طشقند بعد صافرة النهاية "لا أستطيع التعبير عن مشاعري. أنا سعيد للغاية، فلأول مرة منذ 34 عامًا، يصل منتخب أوزبكستان إلى كأس العالم".
وأظهرت لقطات نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي اللاعبين يرفعون أعلام بلادهم، وهم يحتفلون مع مدربهم تيمور كابادزي في قاعة المؤتمرات الصحافية بعد المباراة.
بدأت أوزبكستان، الجمهورية السوفياتية السابقة، المنافسة كدولة مستقلة في التسعينيات، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
وأتاحت زيادة عدد المشاركين في كأس العالم من 32 بلدا الى 48 الفرصة امام المنتخبات التي كانت تملك حظوظا ضئيلة في التأهل، مثل أوزبكستان، لاقتحام مصاف كرة القدم العالمية.
لكن نجاح مثل هذه المنتخبات لا يقتصر على زيادة عدد المشاركين في العرس العالمي فحسب، ففي جميع أنحاء آسيا الوسطى، تشهد كرة القدم نموا ملحوظا، مدعومة بتمويل حكومي وشعبية متزايدة في منطقة تهيمن فيها الرياضات القتالية تقليديا.
وقال مدرب منتخب تحت 23 عاما راشفان خيدروف إن التأهل نتيجة "لمجهود طويل الامد".
وأوضح في حديثه لوكالة فرانس برس إن "المراسيم الرئاسية التي صدرت لإصلاح كرة القدم قبل خمس أو ست سنوات كانت بمثابة بداية مسار لا يزال مستمرا".
ورأى أن بناء ملاعب ومراكز تدريب جديدة بدعم من الاتحاد الدولي للعبة "فيفا" في بعض الاحيان، كان بالغ الأهمية.
قضية وطنية
يعد هذا الدعم من السلطة العليا في البلاد أمرا ضروريا في منطقة تهيمن عليها الأنظمة الاستبدادية.
ففي كل من أوزبكستان وقرغيزستان، تخضع الاتحادات الوطنية لكرة القدم لسيطرة رؤساء أجهزة المخابرات النافذين.
وفي طاجيكستان، يدير ابن رئيس البلاد هذه الرياضة، بينما في تركمانستان المنغلقة جدا، أطلق زعيمها اسمه على أحد أندية كرة القدم التي لم تُهزم محليا.
قاد النجوم الثلاثة المدافع عبد القادر خوسانوف، المهاجم إلدور شومورودوف والجناح أبوسبيك فايزولاييف مشوار المنتخب الاوزبكي نحو مونديال 2026 المقرر في الولايات المتحدة، كندا والمكسيك.
وبات خوسانوف الذي انتقل الى مانشستر سيتي الانكليزي مقابل 45 مليون دولار أميركي في وقت سابق من هذا العام، بطلا محليا.
تنتشر قمصان مقلدة تحمل اسمه ورقمه في الأسواق في كافة أنحاء البلاد غير الساحلية.
ويُبدي مسؤولو اللعبة في البلاد ثقتهم بأن نجاح خوسانوف وشومورودوف الذي يدافع عن ألوان روما الايطالي، يمكن تكراره.
أكثر من ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 35 مليون نسمة هم تحت سن العشرين وهو ما يمثل ثروة هائلة من المواهب لا تحتاج سوى الى الصقل والمتابعة ومن يدربها.
وقال خيدروف "من المهم أن يكون لدينا مقاربة منظمة لاكتشاف المواهب واختيار افضل اللاعبين الذين سيصبحون نجوما. سيتعرف العالم على أوزبكستان بفضل منتخبها الوطني".
وأضاف "حلمنا أن نرى اللاعبين الاوزبكيين في أفضل الاندية الاوروبية".
"إبداع"
سبق للبلاد أن حققت نجاحات على مستوى الناشئين بعد الفوز بكأس آسيا تحت 17 وتحت 20 عاما، كما تأهلت الى مسابقة كرة القدم في الالعاب الاولمبية الاخيرة في باريس.
وقال عظمت عبد الرحيموف، لاعب سابق ومدرب حاليا "تكمن قوة كرة القدم الأوزبكية في مزيج بين اللعب والفنيات والتمرير والهجوم".
وأضاف "لطالما اشتهرت كرة القدم الأوزبكية بإبداعها. لطالما امتلكنا مهاجمين جيدين ولاعبي وسط مبدعين ومهاريين. لكننا لم ننجح بسبب ضعف دفاعنا".
وساهم المدافع خوسانوف الذي أشرف عليه عبد الرحيموف عندما كان ناشئا، في تحقيق هذا التوازن.
يرى كثيرون أن الجناح فايزولاييف (21 عاما) الذي يلعب في صفوف سسكا موسكو الروسي واختير افضل لاعب ناشئ في آسيا عام 2023، هو اللاعب الاوزبكي المقبل المرشح للانتقال الى أوروبا بصفقة ضخمة.
يشبّه الكثيرون أسلوب لعبه بنجم باريس سان جرمان الفرنسي الدولي الجورجي خفيتشا كفاراتسيخيليا الفائز بدوري أبطال أوروبا السبت.
وبالنسبة للمنتخب الوطني، يحمل التأهل الى العرس العالمي المقبل مجموعة جديدة من التحديات.
لم يسبق لأوزبكستان أن لعبت مباراة دولية ضد منتخب أوروبي كبير، ولا يزال معظم لاعبيها الشباب يفتقرون إلى الخبرة في أكبر المحافل.
وقال الاتحاد المحلي لوكالة فرانس برس إنه يواجه صعوبات تاريخية في تأمين مباريات ضد منتخبات من أوروبا وأميركا الجنوبية.
ويأمل المسؤولون أن يكون التأهل التاريخي بمثابة انطلاقة نحو تحقيق المزيد من النجاحات.