لا يختلف اثنان على الدور القطري في غزة والدبلوماسية التي ساهمت في التوسط لمنع العديد من الحروب على القطاع المتهالك جراء الأزمات التي طالته خلال السنوات الماضية، والمساعدات التي لا تزال لحد كتابة هذا المقال تصل لسكان غزة، حيث تمتلك قطر التزاماً تاريخياً بدعم الشعب الفلسطيني والمتضررين في قطاع غزة ساهم بصورة كبيرة في تخفيف المعاناة المالية والأزمات العديدة التي تكبدها الغزيون.
بجانب دورها في المساعدات الطبية ومساعدات الطاقة ودورها في بناء وتمويل محطة الطاقة الوحيدة في القطاع ومراكز المستشفيات الإنسانية والشحنات الطبية العاجلة، غير أن هذه المساعدات لم تستطع أن تخفف من أوزار الحصار والعدوان المستمر على غزة إذ لا تكفل تلك المنحة البسيطة في تأمين غذاء الأسر المعوزة طيلة الشهر في وقت يعاني منه قطاع غزة من تدهور اقتصادي لم يشهده منذ سنوات طويلة.
غير أن تقديم منحة للأسر الغزية لن يأتي بجديد ولن يخفف عنهم أهوال الواقع الاقتصادي المرير الذي يعايشونه ويتعايشون معه كل يوم في وقت نخر التضخم جيوبهم، ولأننا نتكلم على ما يجب أن يكون وليس ما هو كائن فكان الأحرى والأجدر أن تبني قطر مصانع توفر بها ألاف فرص العمل لشباب قطاع أهلكته حدة البطالة والتي بلغت 62.5% وفق اخر الإحصائيات، لا أن تقدم منحة لا تغني ولا تسمن من جوع.
وفي وقت كان المرجو فيه أن تعيد فيه قطر استراتيجيتها في قيمة المنحة المقدمة للأسر المتعففة في القطاع خاصة بزيادة مداخيلها من بطولة كأس العالم التي استضافتها مؤخرا انقلب الحال من تطلع للزيادة لانقطاع محتمل خلال الأشهر القادمة ففي الأيام القليلة، قام مكتب قطر الخيرية في قطاع غزة يوم الأربعاء الموافق 30 نوفمبر 2022 بإنهاء خدمات 42 من الموظفين العاملين فيه، في خطوة أولية لإغلاق مكتب قطر الخيرية في القطاع، وهو القرار الذي قد يتسبب في حرمان أكثر من 16000 مكفول داخل القطاع من الاستفادة من الخدمات التي التزمت الجمعية تقديمها مند 20 عاما ضف إلى ذلك لفقدان موظفي المكتب لمصدر دخلهم الرئيسي في الوقت الذي يعاني فيه قطاع غزة من ظروف اقتصادية في غاية الصعوبة وندرة فرص العمل.
بصورة عامة فقد ساهمت المساعدات القطرية بشكل كبير في تسكين وتخفيف أعباء المصاريف على العديد من الأسر الغزية من دون وضح حلول جذرية للمشاكل التي يتخبط فيها القطاع، كما أن الأموال تُصرف ضمن مساعدات وليس كمشاريع ممولة، ما يعني عملياً أنها لن تحقق تنمية حقيقية أو حتى على صعيد المشاريع الصغيرة. ومع أن المنح القطرية تتفوق إلى حد كبير على غيرها من ناحيتي الكمّ والمدة، غير أنها لم تتجاوز كونها مساهمات إغاثية، مما يعني أنها لن تقدم أو تأخر في الواقع المعيشي داخل القطاع.
الاعتماد على المساعدات القطرية لن يغير الواقع الاقتصادي داخل القطاع في وقت بات ظاهرا فيه أن هذا الوضع سيدوم طويلا، خاصة في ظل التطورات الحالية بالعالم والتي تشير إلى أن الأزمات الاقتصادية في غزة لن تتوقف لعدة أسباب منها تداعيات الحرب الأوكرانية وآثارها ناهيك عن الحصار الخانق والذي أدى إلى توقف 90% من المصانع في غزة حيث أصبح أكثر من 1.2 مليون نسمة من أهالي غزة، يعتمدون في معيشتهم على المساعدات الإغاثية، من وكالة الغوث، والتبرعات من الخارج، الأمر الذي خلق ما يسمى بالاقتصاد الموازي أو اقتصاد الإغاثة وهنا يمكننا القول أن الحل الحقيقي لا يكمل في بناء اقتصاد قائم على المساعدات بل في تحرك حماس لتحسين الأوضاع الاقتصادية وتخفيف الأعباء عن سكان غزة من خلال تخفيض حدة الضرائب والسعي لتوفير ظروف حسنة تكفل كرامة المواطن الغزي.