: آخر تحديث

سورية .. احتضار وطن!

43
51
40

لا يمكن أن ننكر مدى الحب الدفين الذي يدفع بنا ـ نحن أبناء سورية ـ إلى التفكير بالعودة إليها والعيش على أرضها، لا سيما أنّ حبّها مرسوم في وجدان وقلب كل واحد منا، نحن الذين ننتمي إليها كوطن ولدنا ونشأنا وترعرعنا في كنفه.

سورية تظلّ هي الوطن، وكما يقال إنّها الأم الرؤوم بالنسبة لنا نحن الذين عشنا وتربينا في أحضانها وأكلنا من خيراتها، ولا يمكن أن نتنكّر لذلك. إلّا أنّ السؤال الذي يُلحّ، هل بالإمكان العيش خارج سورية، بعيدين عن أسوارها، ومع أناس جدد، يختلفون كلياً عن طباعنا ومعتقداتنا، وتاريخنا المشترك، كما يدّعي دعاة الوحدة والحرية والاشتراكية، و"يَبيضون" علينا بكلمات رنّانة ومزخرفة؟.

نعم. يمكن ذلك، لمَ لا...

أعتقدُ جازماً بأن الأغلبية، ولمن سنحت لهم فرصة الهروب من سورية، واللحاق بالدول الأوربية، على وجه التحقيق وتحت أيّ مسمّى، فإنّه فضّل البقاء فيها ولم يعد الوطن كوطن يعني بالنسبة له سوى الاسم!

وإذا ما حاولنا أن نقف لبعض الوقت، مستأنسين، وأن نقارن بين ما قدمته سورية لأبنائها، وما قدمه الأوربيين لهم لا يمكن أن يقاس في الواقع ولا بأي شكل من الأشكال، وهذه حقيقة قائمة لا جدال فيها!.

فما الجديد الذي أضافته القيادة في سورية للمواطن السوري؟ وماذا قُدم له؟ وهل ما قُدم كان كافياً، مرضياً؟.

لنكن صادقين مرةً واحدة مع أنفسنا، وبتجرّد، وبعيداً عن العواطف التي لا تطعم خبزاً.

وبمقارنة بسيطة، فإنّ ما وجده المواطن السوري، وغيره في دول النعيم، وما توافر له من خدمات، ودعم مادي مجزٍ لا شك أنّه كبير وكبير جداً.

طبيعي، من بين الزحام، يقفز لك وبكل "وقاحة" بعض المنتفعين من النظام السوري، ولصوصه الصغار، في وضح النهار، وممن يكسبون يومياً مئات الآلاف، بل الملايين من الليرات السورية، على حساب الناس الفقراء، الذين بالكاد يجدون ما يسعفون به حال أسرهم ليوم واحد، سيندفع وبقوة ضارباً ذلك عرض الحائط، ويبدأ بتدبيج الرد تحت أي مسمّى، ومنهم كثير لتبرير ما يمكن تبريره!. 

الرد، أي رد ولمجرد الرد دفاعاً عن مكتسباته، وعن زمرة مجرمة خائنة لم يعرف المواطن السوري في ظلّها إلّا الفقر و"التعتير" والإهانة والذل، وفي هذه الصورة هناك الكثير ماثلين أمامنا اليوم.

لهذا، أقول:

علينا أن نكون منصفين، وصادقين مع أنفسنا أولاً، بعيداً عن الترّهات والعواطف السخيفة، والأقنعة البرّاقة التي لم تعد تنطلي على أحد!.

البلد دمّر. تشرد من تشرد، وقتل من قتل، فضلاً عن الوضع المعيشي المؤسي الذي يعيشه أهله اليوم، في ظل غياب للكهرباء والمياه وبقية الخدمات، وغياب للأمن، وانتشار البطالة، والخوف من المجهول مع تفشي ظاهرة الخطف، وغيرها من قصص وصور "معتّة"، ومهينة!

المعاناة كبيرة جداً، ولا مجال لأن نضحك على أنفسنا ونقول إنها بحاجة لوقت.

الوطن غالٍ، الوطن عزيز!

برأيي، الوطن مات، وعلى كل من هاجر وهرب خارجه، وفرّ بجلده من الموت الزؤام، عليه أن يعيش حيث هو. في مكانه. في المكان الذي يقيم فيه ولا يفكر لمجرد التفكير في العودة، والتغنّي باسم الوطن!

فالعودة صارت مستحيلة إلى وطن لن يرقى إلى أدنى دولة في العالم الرابع، وسيظل هكذا، ما دمنا نحن نعيش في دوّامة الكذب والرياء والتفكير في العودة إلى حيث وطن سلب ونهب.

وما قيمة وطن لا يقدّر أبناءه، ولا يدافع عنهم ويحميهم ويستر عوراتهم، وينتشلهم من حالة العوز والفاقة، ويغدق عليهم ويكفيهم من خيراته؟. 

فالوطن أكذوبة كبيرة ولدت ميتة وهي كذلك. إنّها مجرد عنوان عريض يخلو من الصدق الذي يرسمه شبيحته وما أكثرهم!.

إنَّ سورية التي كنا نعرفها ها هي اليوم تحتضر، وأهلها كذلك يُعانون الفقر، وهذا ما بتنا نراه في وجوههم الشاحبة، ومن خلال تواصلنا مع كثيرين من المقيمين هناك.. فالتذمر والشكوى واقع حالهم. والسؤال ما هو الحل؟ كيف يمكن النهوض من هذا الواقع في ظل حكومة تحكم البلد بالحديد والنار ولم تقدم للمواطن أي حل جذري يمكن أن يقلع بهذا الواقع الأليم الذي لم يعد يطاق، ورغم ذلك فإن المواطن السوري البسيط، وحتى المقتدر مادياً لم يفسر ما آل إليه الحال الذي يعاني منه الجميع، فكيف بذاك الذي هرب خارج حدودها، وعاش سنوات في بلاد الغربة متوافراً له كل سبل الراحة والأمان. بالتأكيد من الصعوبة التفكير ولمجرد التفكير العودة إلى بلد يموت سريرياً، ولا يمكن إعادة الحياة له من جديد. سوريا تودّع أحبّتها.. البلد يحتضر. هذا ما أردوا له أن يكون.. فإلى من يتضرع ابنها ويشكو؟ 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في