: آخر تحديث

عقول مغيبة ونفوس معذبة و شهرة كارولين

52
48
58
مواضيع ذات صلة

من حق أي فرد ممارسة الخصوصية كما يحب ويشاء، ومن حقه الاهتمام بشؤونه الخاصة التي تعنيه وبمتابعة الوسيلة التي تحقق له رغبته، نعلم أن التركيز الكبير على الأمور الشخصية يفضي إلى إهمال المسائل الاجتماعية والغياب عن المجال العام.  فالانشغال عن المسائل الخطيرة السياسية والاجتماعية والاقتصادية مرده الاهتمام برغابتنا ومشاغلنا الخاصة، وهوانا في متابعة المنتجات الاستهلاكية وصيحات الموضة، وما تنتجه الشركات الاقتصادية والمصانع لباسا أو غذاء، أو فنا وغيرها من المنتجات الاستهلاكية التي يقع الفرد ضحية لها؛ بذلك تفضي مشاهدة وسائل التواصل الاجتماعي إلى النزعة المادية؛ لأن نسبة مشاهدتها ترتفع وبنسبة كبيرة، وبالأخص في فيديوهات يقصدها الشباب لما تحمله وتذيعه من ثقافة شعبية بعيدة عما تقدمه النخب وما تسعى إلى إيضاحه في الواقع، وفي العلاقات المتشابكة للمجالات الأخرى التي تجعل حياة الناس مأساة.

تكاد تنطبق المسألة على كل المجتمعات والعربية منها والجزائر بالتحديد. إذ أن جل الناس يعرفون القليل عن تاريخ البلد وعلمائه ومفكريه ولغوييه وباحثيه المعاصرين الذين يشغلون العالم باختراعاتهم، ولكنهم يعرفون الكثير عن مشاهير الغناء والصيحة، ومشاهير السينما ومشاهير الثقافة الجنسية، ومعرفة دقيقة بالمنتج الاستهلاكي، وبما تم مشاهدته في الإعلان، أو الترويج له من خلال السوشيال ميديا، يمكن القول أن جماعات قليلة مؤثرة يمكنها توجيه الجمهور إلى الانشغالات الحقيقية، هذه الجماعات التي لها تأثير كبير وتعمل على توجيه إيقوناتها المصنوعة لأجل التأثير على المجال الاجتماعي والسياسي بأي طريقة تريده، لأنها تملك قوة مفرطة في التأثير الإعلامي، وفي تغييب الوعي الأخلاقي والوطني، فالكثير من الناس لا يذهبون للانتخابات وهذا حقهم ويبقون في منازلهم وغرفهم، لكنهم يذهبون إلى المطارات لاستقبال يتوبوزات مثل كارولين، أو إلى قاعات الحفلات الكبرى لحضور عيد ميلاد بعض الشواذ، أو المنحرفين أخلاقيا وثقافيا. فهل يذهبون لملاقاة العالم في مجال الصناعات الإلكترونية "بلقاسم حبه" الذي يملك في مشوار عمله بالولايات المتحدة الأميركية 444 براءة اختراع، ويرجِّح أنه يتصدر "العرب الأكثر اختراعا في أميركا".؟ وهل زغردت الفتيات والصبايا والنساء أو احتفين في جدرانهن الافتراضية بفوز الطبيبة نور الهدى ميموني. بحصولها على جائزة   L’Oréal-Unesco Young، وهل احتفين بالطفلة المحبوبة صاحبة المرتبة الأولى عالميا في مسابقة القرآن الكريم "وهيبة تومي" ؟ إن الناس نيام، فالذين تحدثوا كثيرا عن كارولين وقدموا إشهارا مجانيا لم يكتبوا عن تتويج الجزائري عبد المالك مرتاض بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية بمثل ما كتبوا عن الحادثة؟ أو تناقلوا خبر فوز الكاتب والبروفسور يوسف وغليسي بجائزة نقد الشعر، لمؤسسة عبد العزيز سعود البابطين بالكويت، في الدورة السابعة عشر للإبداع الشعري، عن كتابه النقدي الهام” التحليل الموضوعاتي للخطاب الشعري” بمثل ما تناقلوا خبر اليوتوبيز. وكما أسلفت الذكر فإن الناس لا يذهبون حتى للانتخابات، ولا يهتمون للأمور كما يجب أن تسير ولا يهتمون بما يحدث من تحولات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، وما يتم من قرارات سياسية تتخذ من المسؤولين المنتخبين والتي تؤثر في حياتهم بشكل كبير. لا يتوجب على أن نضرب الأمثال بالانتخابات البرلمانية الأخيرة أو بالانتخابات البلدية والولائية...


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي