: آخر تحديث

الايجابيات الاخلاقية لفايروس كورونا

90
90
82

تفشي وباء فايروس كورونا وظهورها في اغلب البلدان، فاجأ العالم بملياراته المكتضة من البشر ودفعه للاتحاد والتوافق والتفاهم والتشارك في اتخاذ اجراءات صحية وسكانية وأمنية مشتركة لمجابهة الخطر القادم من دنيا الكائنات المجهرية المتناهية الصغر، وبسبب نسبة اصابات الفايروس العالية والسريعة الانتشار وحدوث وفيات مفاجئة، فان البشرية بعامتها وخاصتها قد صدمت بالانتشار الفجائي للوباء وخاصة اهل الحكم من الرؤساء والملوك والسلاطين الصالحين والظالمين.
والمثير ان هذا الفايروس جعل من الانسان ان يقف مذهولا وحائرا ومكتوفة الايدي امام الخطر البايولوجي الطبيعي القاتل الذي جاء به جسيم حيوي صغير الحجم وهو اصغر وحدة حيوية من منظومات الحياة على كوكب الارض، حيث لا يمكن مشاهدته الا بالمجاهر الالكترونية العالية التكبير.

والايجابي ان هذا الكائن المجهري بالرغم من خسائره البشرية والمادية قد وضع الانسان امام حالة مرتدة للتفكير من جديد عن دوره ونظرته للحياة، وذلك لاعادة النظر في جميع مفاهيم ومرافق البيئة المعاصرة المحيطة به، وكذلك فان الفايروس قدم للبشرية العامة والخاصة منها وللأغلبية المسحوقة وللأقلية الفاحشة، دروسا انسانية واخلاقية تحتم العودة الى الجذور الانسانية للعالم الذي نعيش فيه، واهم الدروس التي قدمها فايروس كورونا هي الاتي:

(1) الفايروس ذكر الانسان ان الموت واحد ولكل بشر مصير واحد لايمكن الافلات منه، وذكر ان الموت سريع الحدث لا يمكن استغفاله، وذكر ان الاسباب مهما صغرت لا يمكن الاستهانة بها، وصغر حجم الفايروس ودوره القاتل العملاق مثل كبير لابد من استيعاب الدروس منه لانقاذ البشرية من الاوبئة والمخاطر العالمية الكبيرة.

(2) كشف الفايروس ان الانسان كمخلوف هو كائن متساون بالخق والحقوق، ولا يمكن قبول تباهيه بالمال او القوة او النفوذ او المنصب او الموفع او المركز الاجتماعي، فالغني والفقير سواء والرئيس والمرؤس سواء والحاكم والمحكوم سواء امام الفايروس وامام الموت، ومن يتوهم غير هذا خاصة من اهل الطغيان فهم على جهل مطبق.

(3) بين الفايروس للخاصة قبل العامة ان مسؤولية الانسان على كوكب الارض كبيرة، ومسؤوليته في الحفاظ على الحياة ومراعاة توازنات الطبيعة مهمة اساسية من مهامه الحياتية، وذكر ان البشرية كلها امام مصير مظلم بسبب التلاعبات الحاصلة في البيئة ومستويات التوازنات الحيوية التي كانت قائمة والتي خربت بسبب تدخلاته الضارة، وبسبب الاستغلال الوحشي لبعض البشر لمصادر وموارد البيئة، وذلك لارضاء اهوائهم الامارة بالسوء، وبسبب جشع الرأسمالية السائدة واساليبها الخبيثة في الاستغلال والاستثمار والتي خلقت عالما غنيا لاقلية فاحشة فاسدة مارقة وعالما مهموما بالفقر والبؤس لاغلبية ساحقة من سكان الارض بائسة تعيش الحياة باجواء ملؤها الحرمان والمعااناة والنقص الحادد للحاجات الاساسية الحياتية.

(4) الفايروس ذكر الانسان بيوم لا ينفع المال ولا البنون، وهذا التذكير خاص بالسلاطين الظالمين الذين يتربعون على مقاليد الحكم في بعض مناطق العالم وهم نماذج صارخة للقساوة والجور والظلم والشر والقتل والقمع للشعوب المظلومة، وتذكير لاهل الفساد والجور والنهب والفرهدة، وتنبيه صارم لهم ان ملياراتهم من الاموال واطنانهم من الذهب وفيالقهم من العسكر وزمرهم من المافيات ومجموعاتهم من العصابات وغيرها، لا تنفعهم ولا تذرهم بشيء، ولا تسد عنهم باب غزوة فايروسية على خلاياهم الجسمية مهما وضعت في بروج قارونية، وشخصيات عالمية صالحة للبشرية ولبلدانها وشعوبها وقعت ضحية للفايروس، فكيف بالطغاة الاشرار المعاصرين الذين ولدوا من ارحام الشياطين، افلا يعقلون.

(5) الفايروس ذكر القطب الرأسمالي والرأسماليات الجشعية المنتشرة في بعض بقاع العالم، ان عالمهم شبه خالي من الاخلاقيات والانسانيات، وعدا بعض الدول الراقية في اوروبا بمدنيتها وانظمتها وانسانيتها، فان بقية العالم تعاني من ازمات اخلاقية واجتماعية واقتصادية ومالية كبيرة وفروقات عالية في مستويات المعيشة، ويعاني من فرق شاسع كبير بين اقلية فاحشة تملك كل الموارد واغلبية مسحوقة لا تملك مستلزمات الحياة، وحالة الوباء المنتشرة تؤكد ضرورة اجراء مراجعة واعادة نظر بالنظام الرأسمالي السائد، وتحتم لابد من اعادة العمل ببعض الانظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنظام الاشتراكي المستنبط من الفكر الشيوعي، وهذه الاعادة لاشك فيها اعادة توازن وخلاص لتقليل حجم واثار الازمات التي يقع العالم فيها بسبب جشع الرأسمالية الحاكمة.

بالختام وبالرغم من كتاباتنا المتواصلة لتذكير الحكام الطغاة وخاصة في اقليم كردستان والعراق، الا ان مداد اقلامنا بدت على وشك الخلاص ولم نشهد ولم نسمع يوما ان اذانا قد صغت وان فلوبا قد صفت وان نفوسا قد تابت وان حراكا للعدل والانصاف قد بدأ وان مالا حراما قد اعيد، حاشا حاشا لله لا نرى هذا ولا ذاك، ولكن فايروس كورونا دفع بنا جميعا ان نقف امام الموت وامام المصير المشترك صفا واحد، والحكام الطغاة اينما كانوا لايفيدهم لا مالهم ولا اولادهم ولا خزائنهم، والفايروس قال كلمته لهم وقدم لنا مشهدا للموعظة الحسنة لاعادة التفكير بالنفس اولا وبالحياة ثانيا وبالاعمال ثالثا، واخر القول ان نفس البشرية مهما امتلكت من خزائن مملوئة ومهما امتلكت من خزائن خاوية هي على سواء مع جميع النفوس بحق الحياة والموت والمصير الواحد، وخير الناس من نفعهم وعمل صالحا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في