ربما تكون هذه المرة الأولى منذ انطلاق الثورة السورية، التي يتخذ فيها غالبية السوريين المعارضين لنظام بشار الأسد، موقفاً مناهضاً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي "خان أهل حلب الشرقية وباعهم إلى روسيا، فيما تقتل طائراته الأطفال والنساء في مدينة الباب".
كان أردوغان، على الأقل في السنوات الأربع الأولى التي تبعت مارس 2011، في نظر الكثير من الجماعات المسلحة حتى تلك التي يقال إنها متطرفة مثل جبهة النصرة، "يمثل الرئة التي تتنفس منها الثورة السورية"، فهو فتح حدود بلاده مع سورية على مصرعيها للمقاتلين"الذين قرروا الوقوف في وجه طاغية الشام" وقدم دعماً لوجستيا وعسكرياً كبيرين للثوار، كما استقبل ثلاثة ملايين لاجئ سوري في بلاده، حيث يعيشون في أوضاع يمكن وصفها بالممتازة، قياساً بتلك التي يعيشها نظراؤهم في الأردن أولبنان.
لكن من الواضح أن أردوغان قرر في لحظة ما من العام الماضي، البدء في إجراءات بيع "أهل الشام" وثورتهم، فهو فرض على السوريين تأشيرة دخول، ثبت لاحقاً أنه تعمد أن يكون الحصول عليها شبه مستحيل، كما قال نشطاء سوريون.
ويأتي هذا استجابة لطلب أميركي- أروبي، بهدف إيقاف تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوربا، وبالفعل نجح في هذا الأمر إذ لم يتسلل إلى القارة العجوز هذا العام سوى 378 ألف مهاجر غير شرعي في مقابل مليون و11 ألف في 2015، وفقاً لأرقام رسمية أعلنتها المنظمة الدولية للهجرة الأسبوع الجاري.
لكن الاتحاد الأوربي كافأ أردوغان على هذه الجهود الكبيرة بصفعة، حينما صوت في نوفمبر على التجميد المؤقت لمفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد، ما دفع "حفيد العثمانيين" إلى التهديد بالسماح بتدفق المهاجرين إلى القارة العجوز، مظهراً برغماتية من النوع الرديء لم تمنعه من المتاجرة "بالمهاجرين السوريين الذين حلوا في ديار أخوتهم الأنصار" كما كان يردد دائما.
الملاحظ أن أردوغان، اختار أن يمضي بعيداً في تحالفه مع الرئيس فلاديمر بوتين، رغم أن الطائرات الروسية تقتل منذ أكثر من عام "أخوته" السوريين، فحلب لم تعد "خطاً" أحمر سيدافع عنها الجيش التركي كما تعهد حفيد العثمانيين قبل ثمانية أشهر، فهو لم يتخلى عنها فقط ، بل سلمها إلى المليشيات الطائفية وبقايا جيش الأسد بإتفاق مع الروس، كما كشف بوتين في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة اليابانية طوكيو الجمعة الماضية.
لا شك أن أردوغان أبدى استعدادا أكبر لبيع الثورة السورية، بعد الانقلاب العسكري الفاشل الذي وقع في بلاده في يوليو الماضي، والذي يلمح إلى أن الغرب وتحديداً أميركا تقف وراءها، ولجأ إلى حضن بوتين ومن خلفه الإيرانيين، وأعاد العلاقات مع إسرائيل التي تتفق مع الإدارة الروسية للأزمة السورية، متنازلاً عن دم الأتراك الذين قتلهم جنود الدولة العبرية أمام شواطئ غزة في 2010.
من الواضح أن أردوغان يتخبط، ولم يعد يرى أن هناك ثورة سورية، وكل ما يشغله هو أن يمنع الأكراد، أعداء بلاده التاريخيين، من السيطرة على المناطق السورية المجاورة للأراضي التركية وخصوصاً مدينتي الباب ومنبج.
ومن نافلة القول، إن التخلي عن الثورة السورية يعترض عليه الكثير من الأتراك أن على المستوى الشعبي أو الحكومي، فمسؤولون في رئاستي الجمهورية والوزراء لم يقتنعوا بفرض تأشيرة دخول على السوريين، كما قال في لقاء تلفزيوني في مايو الماضي، الصحافي التركي عبدالله زاهد غول، وهو مدافع شرس عن أردوغان. والأسبوع الجاري اتجه الآلاف من الأتراك ترافقهم مئات الشاحنات محملة بمواد إغاثية إلى حدود بلادهم الجنوبية، بهدف إيصالها إلى الفارين من حلب.