: آخر تحديث

لماذا فشل الامريكان في العراق

289
293
237

عندما نتصحف ارشيف الحقبة التي ارّخت للفترة التي اعقبت الاحتلال الامريكي للعراق ينتابنا شعور برغبة قوية لمعرفة لماذا فشلت اقوى واكثر الدول تقدما في العالم في العراق، حيث نجحت في اماكن اخرى مثل اليابان والمانيا.

ربما نستطيع ان نسترسل ونقول ان ماحصل في المانيا يكاد يكون مشابه لما حصل في العراق ولكن الامريكان فشلوا في العراق فشلا ذريعا ومخزيا ودفعوا هُم والعالم ثمناً غاليا لهذا الفشل المتمثل بفشل الدولة العراقية الوليدة ابان الاحتلال بكل الملفات تقريبا سواء كان البنى التحتية، بناء بيئة سياسية سليمة، القطاع الصحي، بناء اقتصاد متطور، اعادة ترتيب ملفات الصناعة العراقية والعلاقات الخارجية والامن والاستقرار في العراق.

لست بصدد تحليل كل شيء هنا لكن من الممكن وضع الاصبع على الجرح الواحد تلو الاخر لكي تعرف امريكا والعراقيين على حد سواء لماذا فشل مشروع بناء دولة حديثة في العراق مما كان من شأنه ان يثمر عن مشروع نهضوي جديد ممكن ان يسرّع عملية الاستيقاظ من الغفوة التي وُضع فيها الشعب العراقي، شعب مابين النهرين منذ الاحتلال العثماني لمابين النهرين وحتى الاحتلال الامريكي وماترتب عنه من تبعات خطيرة في المنطقة والعالم.

غياب خطة بناء واضحة

افرزت تسريبات صحفية واعلامية كثيرة حقيقة ان ادارة بوش لم تكن تملك خطة واضحة لما بعد اسقاط صدام واحتلال العراق، فالرغبة في الانتقام من صدام عدو عائلة بوش واسرائيل كان عارما لدى بوش الابن ولذلك لم يكلف نفسه لا هو ولاطاقمه السياسي من الجلوس لوضع خطة ناجحة لادارة ملف الاعمار وبناء عراق جديد وحديث.

استسلام بريمر لتهديدات شركائه الجدد

كان الامريكان يصفون احمد الجلبي عراب احتلال العراق بالمحتال الزئبقي الذي يسعى الى الديمقراطية مادامت تلبي حاجاته ورغباته، كما ذكر ذلك جاندرساكران في كتابه العيش الامبراطوري في مدينة الزمرد والذي لم يترجم للعربية حتى الان. 

قام احمد الجلبي "العلماني" بأقناع الامريكان بغزو العراق اولا ثم اقنعهم بل وهددهم ليدفعهم لعمل شيء لم يفعلوه حتى في المانيا النازية وهو اجتثاث البعث سيء الصيت، وستأتي التفاصيل. 

استطاع الجلبي ومن معه من الخونة والعملاء من اقناع بريمر بضرورة اجتثاث البعث وكان المطلوب ليس الاقتصاص من القتلة والمجرمين من منتسبي البعث، بل تصفية كل الخبرات والكفاءات الوطنية بدعوى انهم بعثيون. هذه العملية التي طفت الى السطح فجأة بعد لقاء بريمر بالجلبي ومن معه من جوقة الفاشلين تسببت بردود فعل عنيفة من قبل الحاكم العسكري للعراق انذاك غارنر والذي صُدِم من هول الظلم والظلامية التي سعى لها بريمر بدفع من الجلبي وحلفاءه. اذ قال غارنر بالحرف الواحد "عليك يا بريمر ان توقف هذا القرار، انه ظالم ولايجوز لك فعل ذلك. انك تدمر البلد بهذه الطريقة. ان كان عليك ان تبعد وتحاسب البعثيين فعليك ان تحاسب فقط القيادات العليا، اما اعضاء قيادات الفروع  والفرق والاعضاء العاملين فليس من الحكمة اقصائهم بهذه الطريقة العنيفة، لن نجد مثل هذه الخبرات وسيتم سد الفراغ في هذه الدولة من قبل اناس لن نكون لا انا ولا انت راضين عنهم".

لم ينصت بريمر وقال ان قراري ليس خاضعا للنقاش وعلى الجميع التنفيذ فورا.

كما قام بريمر بحل الجيش العراقي والشرطة والمخابرات بدفع وتهديد من الجلبي وتحالفه والاكراد وتحالفهم، وكانت تلك الخطوة ذات اهداف منها معاقبة "العرب السنة" ولكن في الحقيقة كانت وصفة مثالية لتدمير العراق. نعم ايها الاخوة مافعله بريمر في العراق لم يفعله اقرانه الامريكان ضد المانيا النازية، انه عمل يندى له جبين الانسانية والظلم الذي حصل كان سببا في الفوضى العارمة التي حلت في العراق فيما بعد اذ مسك الامور اناس عديمي الخبرة في كل المجالات الا اللهم خبرتهم في زرع الفتن والارهاب المبوب الذي كانوا يماسونه ابان حكم صدام متذرعين فيه بان الجندي العراقي خائن يعمل لصالح نظام قمعي ولذلك "حلال" قتله!

الديمقراطية الدينية والاثنية

كما هو معروف فأن الديمقراطية الغربية بنيت على اساس علماني ليس للدين فعل فيها بل احترام الخط العام للمسيحية فيما يخص اوربا وامريكا والبوذية في اليابان وكوريا الجنوبية، مع منع واضح لكل الرموز الدينية المتطرفة من الخوض في العمل السياسي. الا انك ترى دستورا عراقيا كتبه اناس عديمي الخبرة لم يفهموا او لم يريدوا ان يفهموا ان ما انتجه دستورهم المزعوم كان ديمقراطية مشوهة بائسة من شأنها تدمير العراق وايقاف عجلة التقدم فيه من خلال السماح للتيارات الدينية المتطرفة في الدخول الى المعترك السياسي وبدل ان يكون الحديث عن الاقتصاد والصناعة والقطاع الصحي والتعليم، فأن هؤلاء الفاشلون لهم ديدن واحد وهو مذهبهم واثنيتهم، فعليك ان تنتخب من هو من طائفتك او من اثنيتك حتى لو كان ارهابيا سابقا او معاثرا وفاشلا في الادارة وهذا مايحصل الان في العراق.

المانيا كان لها بنية سياسية ناضجة

قد يتسائل البعض لماذا نجحت امريكا في المانيا اذ فشلت في العراق وقد ذكرت عدة اسباب سابقا واضيف لها سببا مهما وهو ان المانيا كانت بلدا فيه ديمقراطية متطورة نسبياً قبل الحرب العالمية الثانية، اذ كانت فيها احزاب ديمقراطية اشتراكية ومتطورة جدا، ولم يكن على امريكا سوى نفخ الروح في هذه الاحزاب العلمانية لتعود لها الحياة، في الوقت الذي لم يكن لا في العراق ولا في اي دولة عربية اي نظام سياسي متطور بل حزب واحد متفرد يقوده ضابط دكتاتور وصل الى السلطة بأنقلاب عسكري وحاول شراء ولاء الشعب من خلال اشتراكية ممسوخة لاهي شيوعية ولاهي اوربية غربية بل خليط من الدعم الوطني لقطاعات متعددة منها الوقود والتعليم والمعامل الوطنية وهدف هذه العملية المتخلفة هو اسكات الشعب لانه يمتلك وظيفة وان كانت لاتسد رمقه، ثم الاتكاء على اقتصاد لعالم ماقبل الحداثة والصناعة تخلى عنه الجميع الا الدول العربية بسبب هؤلاء الضباط الفاشلون الذين لم يفهموا شيئا من السياسة او الاقتصاد.

الجرح غائر وكبير وعلينا ان نفهم الاخطاء السابقة لكي نتلافاها في المستقبل، وانا شخصيا متفائل ومن الله التوفيق.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي