كل دول الجوار نشطة في العراق بشكل مثير، انشغال تركيا في العراق اكثر من انشعالها في سوريا، وانشغال سوريا في العراق اكثر من انشغالها في لبنان، وانشغال المملكة العربية السعودية في العراق اكثر من انشغالها في اليمن، وانشغال الكويت في العراق اكثر من انشغالها بايران، وانشغال ايران في العراق اكثر من انشغالها باي منطقة في العالم حتى الكبرى منها، وانشغال الاردن في العراق اكثر من انشغاله في اسرائيل!
ما المقصود بالانشغال هنا؟
لا يعني الانشغال في المقال ان تكون لهذه الدولة او تلك من دول الجوار قواعد عسكرية او اجندة سياسية او مصالح متسيِّدة او عملاء كثر، بل الانشغال هنا في مقصودي الاهتمام بالعراق كنقطة أوبوابة العالم العربي على شرق العالم الاسلامي، ولانه يقع على حافة الحضارات العالمية، الاسلامية والعثمانية والبيزنطية، ولان العراق بمجمله الجغرافي والبشري والديني يمكن ان يكون حقا جوهر وجود شيعي مكثف بشريا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا، ولان كل ما عند هذه الدولة الجارة او تلك عند العراق وليس كل ما عند العراق عند هذه الدولة الجارة او تلك، ثم خاتمة المطاف هنا حقا، بغداد، بلد الرشيد والكاظم وابي حنيفة، بلد مدارس الراي والتجربة والايمان والالحاد والتقوى والفسوق والثورات والخلافة بشكل مخصوص، وما اكثر ما يمكن ان استعرضه هنا ولكن لا مجال يسمح.
العراق ينافس آخرين بالنفط والمياه، والعراق ينافس اخرين بعتباته المقدسة التي تحولت الى مزار عالمي مخيف، والعراق ينافس آخرين بالتاريخ الحضاري العريق، والعراق ينافس آخرين بظاهرة النهرين، والعراق ينافس آخرين بالخصوبة البشرية، والعراق ينافس آخرين ببوصلته الحيوية بين اكثر مناطق العالم حساسية حتى البلقان في اوربا.
وكانت تلك نظرية جمال عبد الناصر، ونظرية شاه ايران ومن جاء بعده، ونظرية دول الخليج بشكل عام، ونظرية الحكومات السورية المتعاقبة...
إذن يجب على العراق ان يدفع الثمن!
وكان دائما يدفع الثمن.
والثمن في اكثر الحالات هو الدم والخراب والدمار والتشريد والدموع، انها ليست جديدة، حتى محنة التهجير ليست جديدة، فهل ننسى ان التاريخ يذكر بان زياد بن ابيه هجر من اهالي الكوفة والبصرة اكثر من خمسين الف عراقي الى الري؟ وهل ننسى ان المغول كان هدفهم العراق قبل غيره، فاختلط الدم بالماء والحبر بكليهما حتى ضاعت معالم الماء في دحلة الخير؟ وهل ننسى ان الاسكندر المقدوني إنما اصر على فتح العراق لانه حقا ام الفتوح، ومن ثم، لماذا تصب توراة اليهود لعنتها المشينة وفشارها الثقيل على نساء العراق وشباب العراق، لان نبوخذر نصر اقام بهم تلك الفعلة الكبيرة، وكان قورش من اشد المحتلين فتكا باهل العراق، انتقاما ليهود وتنفيذا لحقد فارسي وكانه نافذ حتى العظام...
صدام حسين أصَّل العداء للعراق، كان مجنونا بحق، لم يكن عراقيا بالمعنى الحضاري للعراق، بل كان مهوسا بالقوة الغاشمة، ادخل العراق في حرب ضروس مع ايران، وغزا الكويت، وحرك اجندته في لبنان، وعادى الخليج كله، وراح يخصص قنوات اعلامية سخية ضد الكويت والمملكة السعودية والامارات بشكل عام، وحث الفلسطينين ضد الملك حسين فكانت حرب ( الكرامة ) التي اججت العداء او اصلت العداء بين العراق والاردن...
العراق ليس مطلوب ثاريا فقط، بل مطلوب للاستحواذ، نفطه غزير، واستهلاكه كثير، ومستقبله ينبيء عن مخزون من الخيرات التي يسيل لها اللعاب، ولان الاستحواذ عليه يؤمِّن لسيادة شبه امبراطورية في المنطقة
يتبع