: آخر تحديث

الغد كان أفضل

3
2
3

بدأ كل شيء بصعقة كهربائية من غسالة الثياب. الزوجة حصلت على الغسالة في مسابقة لربات البيوت. طارت من الفرح لأنها ستريحها من فرك الملابس وعصرها باليدين. لكن الزوج يريد بيعها لشراء تلفزيون يتفرج فيه على مباريات الكرة. يتعاركان قرب الغسالة ويحاول الزوج سحب المِقْبَس، أي الفيشة، فيحصل تماس كهربائي ينقلهما من وسط اجتماعي تقليدي في خمسينات القرن العشرين إلى معجزات 2025.

لم تتغير ملامح هيلين ولا ميشال لكن كل شيء حولهما تغيّر. دكان الحي تحوّل إلى سوبر ماركت يضيع فيه الزبون. ولم تعد الزوجة تستعين بجارهم لذبح الدجاجة، بل تشتريها منتوفة نظيفة معبأة في كيس شفاف. النساء يرتدين السراويل مثل الرجال، والشباب يتنقلون على ألواح بعجلات، والسيارات تزحم الشوارع، وسيارة العائلة صارت تتكلم: استدرْ يميناً. تمهّل عند الإشارة. يثور ميشال ويصرخ في سيارته: هل تعرفين الطريق إلى مقر عملي أكثر مني؟

ليست جديدة تلك الأفلام التي تنقلنا من الحاضر إلى الماضي. ولا التي تطير بنا على جناح الخيال العلمي إلى المستقبل. لكن هذا الفيلم الفرنسي الذي أخرجته فنسيان ميلرو يمتلك من الطرافة والمفارقات الذكية ما يسمح بساعة زمان من المتعة والقهقهة. هل تكون هذه الحساسية في جسّ نبض العصر لأن المخرجة امرأة؟

تبدو هيلين سعيدة لأن واقعها الجديد سمح لها بالعمل خارج المنزل. إن لها مواهب تتجاوز المطبخ والتطريز وخدمة الزوج والولدين. خرجت من قيود ربة البيت وصار لها كيان مستقل. تعمل وتحصل على مرتب. لكن الكآبة تستولي على ميشال لأنه يفقد عمله ويصبح المسؤول عن المهمات التي كانت من واجبات زوجته. ومع فقدان العمل فقد امتيازاته كرجل. يخرج علبة سجائره ويدخن في مكان عام فيستدعون له البوليس. يبحث عن طاولة خشبية متينة ليضع عليها التلفزيون فيجد الكل يؤثث من «إيكيا». خشب كالكرتون. يكتشف كم كانت زوجته تتعب وهي تطبخ وتكوي وتمسح البلاط. وهناك ذلك الروبوت اللعين الذي يدور ويكنس غرفة المعيشة ويلاحقه حيثما تحرّك وينحشر بين قدميه.

كل هذا مقدور عليه، إلا حال ابنهما المراهق الذي يطيل شعره ويضع قرطاً في أذنه ويرتدي سروالاً ممزقاً عند الركبتين يتهدّل عن مؤخرته. وتأتي الطامة الكبرى حين تصارحهما ابنتهما الشابة برغبتها في الزواج. ها هو أخيراً خبر سعيد. فمن يكون العريس المنتظر؟ تُظلمُ الدنيا في عينيهما حين تخبرهما البنت أنها ستتزوج صديقتها في العمل.

«الغد كان أفضل» كوميديا خيالية تستثمر فكرة التصادم بين الأزمنة. دار الزمن دورة فائقة السرعة خلال السنوات الخمسين الماضية وقفز العلم قفزات شاهقة بالزانة. يدوخ الفرد وهو يلاحق المنجزات الجديدة وما يتبعها من تغيرات في القيم. ليس أمام هيلين وميشال سوى الاحتكاك بالغسالة وافتعال صعقة تعود بهما إلى «الزمن الجميل». هل يفعلان؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد