ناهد الأغا
من مقعدٍ صغير في عتمة القاعة، يمكن للإنسان أن يسافر إلى مدن بعيدة، أن يعيش ثقافات لم تطأها قدماه، أن يحبّ، أن يخاف، وأن يحلم دون أن يغادر مكانه..
في تلك اللحظة، يصبح الضوء لغة والصورة ركناً مؤقتاً نلجأ إليه من صخب الواقع، نحتمي به كما نحتمي بذكريات قديمة لم نعشها بعد..
السينما؛ هي بريدُ الأرواح ورسائلها التي تتنقَّل بين الشعوب بلا ختمٍ ولا عنوان..
ولأن السينما قادرة على رسم ملامح المجتمعات، وفهم تاريخها، وصياغة أحلامها، جاء دعم الدولة لصناعة الأفلام، والذي لم يقتصر على البنية التحتية والتقنية، بل تجاوز ذلك ليشمل تطوير المواهب، وتمكين المبدعين الشباب، وفتح آفاق التعاون مع العالم، بما يجعل السينما السعودية صوتاً عالمياً، ويجعل الفن وسيلة للتأثير الثقافي والإبداعي على المستويين المحلي والدولي..
وفي قلب المملكة، جاء منتدى الأفلام السعودي في العاصمة الرياض، برعاية صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة، رئيس مجلس إدارة هيئة الأفلام، تحت شعار «لقاء يغيِّر المشهد» جاء ليرسم آفاق صناعة الأفلام، ويعزِّز تبادل الخبرات وبناء الشراكات، وليؤكد أن المملكة قلب ينبض بالإبداع، ومركز إقليمي للسينما في الخليج والشرق الأوسط.
نعم، جاء كنبض جديد يضيء الأفق، في أروقته تتجاوز التجارب، وتتناثر اللقطات الأولى لأفكار تولد على يد مخرج شاب، وكاتب يخطّ حكايته الأولى على الورق.
أكثر من مئة وثلاثين جهة عارضة أيضاً جاءت لتنسج خيوط هذا الحلم الجماعي، وأكثر من ثلاثين جلسة وورشة عمل تدور فيها الحوارات.
في نسخته الثالثة ارتقى المنتدى، وحضره نخبة من صُنَّاع الحكايات، والمنتجون المحليون والدوليون، والخبراء الذين يحملون في عيونهم صناعة الضوء والصوت.
كما احتضن المنتدى معرضاً واسعاً تجمَّعت فيه أكثر من مئة وثلاثين جهة، محلية، إقليمية، ودولية، شملت الأروقة مناطق مخصَّصة لشركات الإنتاج، والإستوديوهات، وشركات تأجير المعدات والتقنيات السينمائية، وبرامج ما بعد الإنتاج، والإبداعات التقنية، ومنصات البث والتوزيع والعرض، والجهات الحكومية والتنظيمية، والقطاعات المرتبطة بالمؤسسات التعليمية والجمعيات السينمائية، وصناديق التمويل والاستثمار.
لقد كان التنظيم سيمفونية من الدقة تعزف على وتر الشغف والإتقان، وتنعكس على وجوه الحضور الذين جاؤوا يحملون في قلوبهم عشق الصورة، من عشَّاق السينما إلى روُّادها وصنَّاعها، تحدَّث الجميع عن أثرٍ اقتصادي يتنامى، وعن كفاءات سعودية تمضي بثقة نحو العالمية، تحمل رؤيتها وعدساتها، وتبني قطاعاً سينمائياً سعودياً مزدهراً قادراً على المنافسة، والإبهار، كما شهد المنتدى توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم، لتنمو المواهب، ويزدهر الإنتاج، وتتدفق التقنيات الحديثة كالضوء، وتصبح العلا مسرحاً للحكايا.
تناول المنتدى أيضاً دور القطاع غير الربحي في دعم البرامج السينمائية، ليغدو الإبداع متاحًا لكل حلمٍ يطرق الأبواب، ويصبح السينمائي السعودي أكثر قوةً وإشراقاً.. ولم يغفل المنتدى مسارات تنمية المواهب، والبرامج الأكاديمية في الجامعات السعودية، حيث تُزرع البذور، وتُنمَّى الأفكار..
يواصل رحلته، يمكِّن ويطوِّر صناعة الأفلام في المملكة، ويفتح أبواب الاستثمار والشراكات، ليصير الضوء رسالة، والفيلم جسراً والفن قوةً تُحاكي الحلم الوطني، متماشيًا مع رؤية المملكة 2030، رؤية الثقافة والنور، ورؤية الشباب الذين يكتبون المستقبل بخيوط من نور.
وهكذا تظل السينما، نوراً يضيء العتمة، وتصنع رسالةً تتحدث إلى العالم، لتظل المملكة قلباً ينبض بالفن، ومرتعًا للإبداع.

