جمال الكشكي
جاءت مفاوضات شرم الشيخ لتضع حداً للتدمير الذي يحدث، وفي الوقت نفسه، حماية الشعب الفلسطيني، ومنع المنطقة من الانزلاق إلى خطر حرب، قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، لذا، فإن مصر تؤكد على هذه الفرصة النادرة أمام كل الأطراف، حتى لا تسمى القضية الفلسطينية، قضية الفرص الضائعة. لكل حرب نهاية، لكن لا يجب إغفال حجم الخسائر والتداعيات الكارثية، هما الأصعب في تاريخ النظام الدولي الحديث، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لم تعد خرائط الإقليم تحتمل مزيداً من الضربات، الحرب تجاوزت حيزها الجغرافي، طالت لبنان، سوريا والعراق واليمن وإيران، انتقلت من الرد على هجوم السابع من أكتوبر 2023، إلى أوهام توسعية، بعنوان إسرائيل الكبرى. تداخلت الحسابات، ارتبكت التقديرات، ثمة إفاقة لدى أوروبا، وثمة انتباه لدى الرأي العام الأمريكي، بلغت الأخطار حداً بات يهدد استقرار العالم.
توالت الاعترافات بدولة فلسطين، أصابت الصدمة مخططي الحرب الإسرائيلية، النتائج جاءت عكس التوقعات والتقديرات التي وصفها بنيامين نتنياهو في خطابات بالأمم المتحدة، وأمام الكونغرس الأمريكي، وفي حوارات مع وسائل الإعلام، وجميعها صبت في أنه يحارب الإرهاب، في تغافل كامل بأنه يقاتل شعباً يحوز على هذه الأرض، باعتراف كل القوانين الدولية، حتى إن المحكمة الجنائية، ومحكمة العدل الدولية، كلتيهما تلاحقان نتنياهو.
كل التجارب والمحطات التي مرت بها المنطقة والإقليم، تؤكد أن السلام الاستراتيجي الحقيقي، لا يمكن أن يتحقق من دون عدالة وإنصاف للقضية الفلسطينية، التي تنزف منذ أكثر من قرن. إذا استدعينا الميراث الدموي الطويل، سنجد أنفسنا أمام محطات صعبة، اجتازها الشعب الفلسطيني، وتمسّك بأرضه منذ ثورة القدس عام 1920، تلك الثورة المزدوجة، التي واجه فيها الفلسطينيون الانتداب البريطاني من ناحية، والعصابات الصهيونية من ناحية أخرى.
وبعد عقد كامل من ثورة القدس، انفجرت الأوضاع مرة أخرى، حين حاول المهاجرون اليهود السيطرة على حائط البراق، في ثورة سميت بثورة البراق. بالطبع قمع المحتل البريطاني المنتدب على فلسطين، هذه الثورات، سواء في القدس أم يافا، لكن بعد سنوات قليلة، اندلعت أكبر ثورة فلسطينية عام 1936، وانتهت بكتاب أبيض بريطاني عام 1939.
كان يمكن أن تُحل المسألة من جذورها، لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية مزق الكتاب الأبيض.ثمة لحظة فارقة، بعد تهجير الفلسطينيين عام 1948، اعتقدت إسرائيل أنها تخلصت من المسألة الفلسطينية، لكنها فوجئت بمعركة الكرامة عام 1968، في غور الأردن، بعد أن أصبح للفلسطينيين منظمات وفصائل تقاتل.. خرج معظم أعضائها من المخيمات، التي ظنت إسرائيل أنها ستكون المأوى الأخير لهذا الشعب، لكن الفلسطينيين فاجأوها بأنهم لن يتخلوا عن حلم التحرير والعودة.
بعد سنوات، اندلعت الانتفاضة الأولى، التي سميت بانتفاضة الحجارة عام 1987، وأفضت إلى مؤتمر مدريد عام 1991، واتفاق أوسلو عام 1993، ثم جاءت الانتفاضة الثانية عام 2000، حين اقتحم أرييل شارون باحة المسجد الأقصى وانفجرت الأوضاع، وانتهت بانسحاب شارون من قطاع غزة عام 2005، دون اتفاق مع السلطة الفلسطينية، وتركت الفلسطينيين يتقاتلون ما بين فتح وحماس، ذلك القتال الذي أفضى إلى انقسام بين الضفة وغزة، وكان ذلك تخطيطاً إسرائيلياً، لتصفية القضية الفلسطينية في مرحلة لاحقة.
لذا، اندلعت منذ الانقسام عام 2007 ست حروب، آخرها حرب السابع من أكتوبر، عام 2023، التي كادت تدمر النظام الدولي بالكامل، وكشفت حاجة الإقليم العربي إلى حماية أمنه القومي، وتأكيد دولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وأن أخطار الحروب والأطماع لن تفضي إلا إلى مزيد من التقسيم والتمزيق، ليس فقط لخرائط المنطقة، بل لخرائط العالم. لا سلام بدون دولة فلسطينية، وعلينا أن نتعلم الدروس، بأن الحروب ستقود إلى الخسائر، مهما كان المنتصر.