: آخر تحديث

جريتا تشارك نوبل التكفير عن الذنب

2
2
2

سليمان جودة

رغم أن ماريا كورينا ماتشادو حصلت على نوبل للسلام هذه السنة، عن موقفها السياسي المعارض للرئيس نيكولاس مادورو في فنزويلا، إلا أن الناشطة السويدية جريتا ثونبرج تمضي على طريق الناشطة الباكستانية ملالا يوسفزي، نحو الحصول على الجائزة نفسها في واحدة من دوراتها المقبلة. لقد كانت ملالا أصغر الحاصلين على نوبل للسلام على الإطلاق، وكانت قد اشتهرت في بلادها بالدفاع عن حق البنات في التعليم، وبالذات في منطقة وادي سوات الذي ولدت فيه شمال غربي البلاد عام 1997.

كانت حركة طالبان الباكستانية قد ضاقت بدعوات ملالا لتعليم البنات ودفاعها عن ذلك طول الوقت، ولكن ملالا لم يرهبها شيء من تهديدات طالبان.. وفي يوم كانت تستقل حافلة إلى مدرستها فاستوقف أحد عناصر الحركة الحافلة، وصعد ينادي على اسم ملالا يوسفزي، فلما وقفت ترد عليه أطلق عليها الرصاص. من حسن حظها أنها نجت، ومن سوء حظ طالبان طبعاً، ومن بعدها ذاع صيت ملالا وازدادت تمسكاً بدعوتها وبدفاعها عنها، ولم تكن لجنة نوبل للسلام بعيدة عن كل هذه التطورات، وكانت من مكانها في النرويج ترصد ما يجري، ولم تملك سوى أن تمنح جائزتها للناشطة الباكستانية التي صارت من بعد ذلك معروفة في باكستان بل وفي كل مكان في العالم.

كان حصولها على الجائزة في 2014، وكان الخبر قد ملأ الدنيا وشغل الناس، فلقد كانت أصغر حاصلة على نوبل للسلام، لأنك لو ذهبت تبحث في قائمة الحاصلين عليها منذ بدايات القرن العشرين، فلن تجد حائزاً في سن 17 عاماً. ولا بد من أن ملالا بقيت منذ ذلك التاريخ مثالاً لقوة العزيمة والإرادة معاً، لأن كل تلويحات وتهديدات طالبان الباكستانية لم تفلح في إثنائها عما كانت قد آمنت به، ولا عما كانت قد راحت تدافع عنه بكل قوة. ومنذ 2014 صارت ملالا ضيفاً على الكثير من المحافل والمنتديات بامتداد العالم، وأصبحت تعيش في بريطانيا حيث عولجت عند إصابتها في حادث الحافلة المدرسية، وتحولت إلى نموذج تقتدي به فتيات كثيرات حول العالم، ممن يمتلكن الإرادة في الفعل والعزيمة في العمل والقوة في الصمود وفي الدفاع عن الأفكار.

وحين تتابع الأخبار هذه الأيام ومنذ سنوات، لن تجد أحداً يمضي على خطى يوسفزي بهمة ونشاط وعزيمة أكثر من الناشطة جريتا ثونبرج. ولمن لا يعرف فإن جريتا نشطت منذ فترة في مواجهة تغيرات المناخ، ولم تكن رغم صغر سنها تجد مؤتمراً للتغيرات المناخية في أي عاصمة أوروبية، إلا وكانت تسارع إلى موقع المؤتمر، وتدعو النشطاء والناشطات حول العالم للحضور. كانت ترفع اللافتات في كل مكان، وكانت تنتقل من محفل لآخر، وكانت تدعو إلى أن تكون الحكومات أشد حرصاً على الالتزام باتفاقية المناخ من أجل بيئة مناخية آدمية للإنسان في أي مكان.

وفي الفترة الأخيرة نشطت بكل قوة ضد حرب إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، ولم يكن أسطول من أساطيل فك الحصار عن الفلسطينيين في غزة يتوجه إليها عبر البحر المتوسط، إلا وكانت جريتا في المقدمة من المتواجدين فيه، وكانت لا تدخر جهداً ولا طاقة في سبيل أن تنتصر للفلسطينيين. وفي أسطول الصمود الأخير كانت في طليعة الذين شاركوا فيه، ورغم تعرضها للإيذاء عند اقتراب الأسطول من شواطئ غزة، ورغم أن الإسرائيليين أرغموها على الزحف فوق الأرض، كما روى زملاء لها كانوا معها، إلا أنها لم تتراجع قيد أنملة عن الانتصار لكل ما هو فلسطيني.

ليس سراً أن جوائز نوبل سيتم توزيعها في حفل يقام 10 ديسمبر في العاصمة السويدية استوكهولم، وهذا التاريخ هو ذكرى رحيل ألفريد نوبل في عام 1896.. فالرجل كان قد اخترع أصابع الديناميت قبلها، وحقق من وراء اختراعه ثروة طائلة، فلما رأى ضحايا الاختراع في الحروب في كل مكان رصد جانباً من الثروة للجوائز التي عاشت تحمل اسمه منذ إطلاقها في بداية القرن الماضي. وبما أن جريتا وألفريد يحملان الجنسية نفسها، فإن ثونبرج تريد في ما يبدو أن تشاركه التكفير عن الذنب الذي أقر به عندما أطلق الجائزة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد