خالد بن حمد المالك
يقول الرئيس الأمريكي ترمب إن خطته هي الفرصة الأخيرة أمام حماس، وإنه لا خيار غيرها، وإن على حماس أن تقبل بها، وإلا واجهت جحيماً لم يشهده أحد من قبل، وهو تهديد يضع أمريكا كما لو أنها طرف في قتال غزة بمثل ما هي عليه إسرائيل، ولا بأس في ذلك طالما أن لديها الرغبة لوقف الحرب، لولا أن هذه الرغبة قد تصطدم بعدم وجود ضمانات تطمئن الجانب الفلسطيني بعدم انقلاب إسرائيل على ما ورد في خطة ترمب في مرحلة من مراحل تطبيقها.
* *
حسناً، ماذا يضير الرئيس ترمب أن يقدم الضمانات الملزمة لإسرائيل وحماس، لينزع بذلك تخوف الفلسطينيين من تطبيق لخطته دون ضمانات تلامس بنودها العشرين، وترسيخ تطبيقها على ما فيها من ميل للتوجهات والأهداف الإسرائيلية، متأثرة بانكسار حماس، وعجزها عن مواجهة الضربات الإسرائيلية التي لا ترحم.
* *
إن إطلاق خطة بلا ضمانات، وقبول حماس لها، إنما قد يفقدها عدم القدرة على التطبيق والصمود أمام تجاوزات إسرائيل المتوقعة لأن تصرفاتها التاريخية السابقة لا تترك مجالاً للجانب الفلسطيني للوثوق بإسرائيل، وأخذها على محمل الجد والصدق في تقبل موافقتها على خطة ترمب، وهو مطلب فلسطيني يعزِّز فرص النجاح، والتطبيق الصحيح، وحسن النية في التعامل مع خطة ترمب رئيس أكبر دولة في العالم، وبدور عملي لرئيسها نفسه في إنهاء الحرب التي دامت عامين، وخلفت من الأضرار ما لم يشهده العالم في فظاعته وقسوته وحجم الجرائم التي قامت بها إسرائيل.
* *
من يضمن بعد استلام إسرائيل رهائنها أن تفي بالتزاماتها في إطلاق الأسرى الفلسطينيين، وأن تنسحب قواتها من أراضي القطاع بحسب الترتيب الذي نصت عليه الخطة، وأن يتوقف جيشها من إطلاق النار، وأن تسمح بدخول المساعدات الغذائية، في ظل غياب أي ضمانات في خطة الرئيس ترمب، وهناك أسئلة أخرى تحوم حول نقاط كثيرة نصت عليها الخطة ولكن دون وجود ما يُلزم إسرائيل بتطبيقها.
* *
التهديدات من الجانب الأمريكي تارة، ومن الجانب الإسرائيلي تارة أخرى سبقت قبول حماس للخطة وفقاً لما تم الاتفاق عليه بين ترمب ونتنياهو لإنهاء المجازر الإسرائيلية في غزة، خاصة وأن أغلب القتلى والمصابين هم من المدنيين الأبرياء، كما أن التهديم ركز على مساكنهم، وعلى المدارس والمستشفيات ولم تسلم منه حتى دور العبادة من مساجد وكنائس، وكانت حرب إبادة بامتياز، أدينت إسرائيل بارتكابها من المحكمة الجنائية الدولية.
* *
وبنظرنا، فإن قبول حماس للخطة مع ما فيها من عيوب وثغرات، هو الخيار الوحيد المتاح أمام حماس، خاصة وأنها لم تكن في وضع يسمح لها بإملاء شروطها، أو تحفظاتها، أو طلب ضمانات لما ما ورد فيها من نصوص لإيقاف الحرب، ومنع أي تصرف من إسرائيل يعطل تطبيقها.
* *
نتمنى بعد موافقة حماس على الخطة من الجميع أن يبتعدوا عن لغة التهديد والوعيد، ويبدأوا باستخدام لغة هادئة، والإصغاء إلى المطالب لدى الطرف الأضعف، بإدراج ضمانات تحمي الخطة من الفشل، وتبقى الفرصة لحل دائم لهذا الصراع التاريخي الدامي، من خلال خيار الدولتين، وصولاً إلى تحقيق الأمن والاستقرار والسلام بالمنطقة مع قيام الدولة الفلسطينية على أراضي حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
* *
لقد أصبح مستقبل قطاع غزة مرهوناً بالتوافق بين الفلسطينيين بعد موافقة حماس على خطة ترمب للسلام، وقبولها بأن لا دور لها في حكم القطاع، وانسحابها من المشهد إثر هزيمتها من إسرائيل، وكل ما نتمناه أن يدرك الفلسطينيون أهمية هذه الفرصة، ويتعاملوا معها بإيجابية، ولا يجعلوها بخلافاتهم تضيع كما ضاعت فرص كثيرة من قبل.
* *
على أن الضمانات متروكة للتفاصيل وللوسطاء ولطرفي النزاع وعلى رأس الجميع الرئيس ترمب. ومن المؤكد أنها ستكون ضمن الأولويات في النقاشات والمباحثات للتأكد من تطبيق خطة السلام دون ظهور عراقيل لإفشالها.