: آخر تحديث

الضمانات أولاً!

1
2
1

خالد بن حمد المالك

خلت خطة ترمب للسلام في قطاع غزة من الضمانات، وورد في بعض بنودها ما يُشبه الغموض، وكانت الثغرات واضحة، ما يجعلها مهددة بالفشل حال استلام إسرائيل لرهائنها، ومن مصلحة كل الأطراف توثيق الخطة، بما يزيل أي تخوف، أو لبس عند تطبيقها.

* *

اتفاقية «أوسلو» فشلت من قبل، فقد قامت إسرائيل بانقلاب عليها، وقتلت رئيس وزراء إسرائيل رابين ورئيس السلطة الفلسطينية عرفات، وهما من وقعا على الاتفاق في أمريكا وبرعاية البيت الأبيض، واعتبرتها تل أبيب غلطة تاريخية، رغم كل الضمانات التي طمأنت الجانبين.

* *

وإذا كان اتفاق أوسلو قد أفشلته إسرائيل، رغم وجود كل الضمانات لحمايته، فكيف بخطة ترمب أن تنجح وهي المفرّغة من أية ضمانات، ما جعل رئيس وزراء إسرائيل يُسارع بعد موافقته على الاتفاق بالقول إن الجيش الإسرائيلي سيبقى في غزة، وأن إسرائيل ستكون مسؤولة أمنياً في القطاع.

* *

هذا يعني أن إسرائيل لا تعطي قيمة للاتفاق إلا بما ورد فيه من بنود لصالحها، وأنها غير ملزمة بغير ذلك، وهي بتصريحات مسؤوليها بعد الموافقة على الخطة المعدلة لصالح إسرائيل تعطي إشارات واضحة ولا لبس فيها، بأن الموافقة على الخطة لا تعني الالتزام بها.

* *

لذلك، فإن وضع ضمانات، والمطالبة بذلك هو لإنجاحها، ولصالح طرفي النزاع، ولكل من تبنى الخطة وأيدها، ولا إخلال بذلك بشيء من بنودها، وإنما هو ترسيخ وتثبيت واستحضار لكل ما يؤدي إلى نجاح الخطة، ومن يريدها بلا ضمانات، فهو يبيّت لما هو أسوأ في المستقبل، وأنه ليس مع إحلال السلام في المنطقة.

* *

فعلى سبيل المثال، هناك غموض في بعض بنود الخطة، فانسحاب الجيش الإسرائيلي على مراحل، تم ربطه بخطوات تسليم سلاح حماس، ولم يُحدد له زمنٌ، وجاءت المخاوف حين أعلنت إسرائيل أن جيشها باقٍ ولن ينسحب بعد موافقتها على الخطة، ولن يُعجزها الادعاء بأن هناك أسلحة لم تسلمها حماس، ليكون لديها المبرر للاستمرار في الاحتلال.

* *

مثال آخر، لم تُحدد مدة الوصاية على القطاع، ولا فترة ونوع الإصلاحات المطلوبة من السلطة الفلسطينية، وكأن الخطة لا تقدم ضمانات لعودة القطاع لحكم الفلسطينيين، وكأن ما يخطط له أن تبقى تحت رحمة إسرائيل، وإرهاب إسرائيل.

* *

ولم تتوسع الخطة في الحديث عن التعمير، ولا عن بدء العمل فيه، وتركته مجرد نوايا بلا تاريخ، ولا قراءة للتكاليف، ولا عن الدول الممولة، أي أن القطاع ربما بقي غير صالح للسكن لفترة طويلة، ما يُشجع على الهجرة، وربما التهجير، وهذا ما تريده إسرائيل، وكان من باب الطمأنة للسكان وقد نصت الخطة على عدم التهجير تحديد بدء الإعمار وتاريخ الانتهاء منه ومصادر التمويل وأسماء الدول الملتزمة بذلك.

* *

خطة ترمب فيها ما فيها من العيوب، والغموض، والثغرات، ما يعطي إسرائيل الفرصة بعدم الالتزام وبما وافقت عليه، وفيها ما فيها من بنود تخدم إسرائيل وسوف تتمسك بها، وتتوسع في إعطاء تفسيرات لها، لتزيد مما نصت عليها الخطة، وإسرائيل لديها خبرة وتجارب في المكر والخداع، بما هو معلوم ومعلن ومكشوف.

* *

في الخطة جوانب مشجعة لصالح الجانب الفلسطيني، أهمها أن حماس وهي التي قامت بالانقلاب على السلطة الفلسطينية وحكمت قطاع غزة على مدى سنوات لن تكون جزءاً من الحل الذي تنص عليه الخطة، ولن تحكم بعد اليوم، وثانيها إيقاف حرب الإبادة، وثالثها تعمير غزة، ورابعها منع التهجير، وخامسها عدم احتلال القطاع، وهناك غيرها، ولكنها مع ذلك غير كافية، ولا قيمة لها دون وجود ضمانات.

* *

على حماس أن تقتصر مطالبها بالتعديل على الممكن والمعقول، وأن تبتعد عن المطالب التعجيزية، وتتجنب إفشال الخطة، وتتعامل معها بعقلانية وتصرف حكيم، فهي ليست في موقع القوة، ولا تمتلك من الأدوات ما تستطيع به فرض إرادتها على أمريكا وإسرائيل، ورحم الله من عرف قدر نفسه، وتصرف على نحو لا يعرّض المواطنين إلى مزيد من القتل الممنهج على أيدي الصهاينة المجرمين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد