: آخر تحديث

بناء السلام وتجاوز الأوهام!

2
2
2

ما صدقْنا بعد طول عملٍ وصبرٍ وحرقةٍ وإصرار من جانب العرب والمسلمين والمجتمع العالمي أن يعود الرئيس الأميركي إلى إطلاق مشروعه من أجل السلام في غزة وفلسطين. لقد كان الهمّ الكبير وقف النار ووقف القتل، وقد أنعمت علينا «حماس» وأخواتها بالإعلان أنهم يدرسون المشروع. نعم هم «يدرسون»، في حين لا تزال النار الإسرائيلية تشوي القطاع، وتشوي الضفة والقدس والأقصى. ما تفضّل أحدٌ من المسلحين الذين أثاروا الحرب الشعواء بإخبار الفلسطينيين والعرب والعالم لماذا كان ما كان، ولا يزال. علينا أن نغيّر العادات التي عوّدنا عليها المسلّحون الذين ينهزمون ثم يقولون إنّ الوقت ليس وقت المساءلة والمحاسبة التي يستفيد منها العدوّ! المحاسبة كان ينبغي أن تتمّ من زمان وزمان لكي ينتهي زمن ميليشيات الهوان، ويبدأ زمن الدولة. أيها الأمجاد «المجاهدون» أنتم أعلم منا بالصهاينة الذين جربتم الهزائم في مواجهتهم، فلماذا تكرار المجازفات، وتكرار اختناقات الدم والجوع؟! كم عانى العرب والإنسانية خلال هاتين السنتين، سنتي المذابح والكوابيس، وأنتم تتبجحون أنكم تريدون الشهادة، فمن قال لكم إنّ الآلاف المؤلفة من أطفال فلسطين يريدون السير نحو الموت لأنكم قررتم أن تكونوا أبطالاً على حساب أمنهم وحياتهم ومستقبلهم!

خلال السنتين الهائلتين أعطيتم الفرصة لنتنياهو لكي يشنّ حرب الإبادة في غزة والضفة وفي سوريا وفي لبنان (الذي يتمتع أيضاً بوجود ميليشيات مسلحة و«استشهادية» فيه كررت خطاب الانتصار الموهوم والإلهي خلال عقود وعقود!). وأنا لا أتابع وسائل الاتصال، و«فتكات» المواقع، لكنّ الزملاء المتابعين يطلعونني على استحثاثات «الإخوان» والإيرانيين وأنصارهم الآن لـ«حماس» و«الجهاد» على عدم قبول المشروع الترمبي، والاستمرار في الانتحار، والتسبب في استمرار نحر أطفال فلسطين، فمن أين يأتي يا ربّ عقل الخسران هذا، ونفسية الوهم والإيهام.

وهناك بين المستثيرين والمهيّجين واحد معروف عنده سبب عجيب لضرورة استمرار «حماس» في النضال، والسبب هو الانتقام، كما يقول، من الدول العربية التي ذنبها أنها تستميت لوقف الحرب بدلاً من أن تقف إلى جانب «حماس» في حربها التحريرية!

طوال عقود ما توقفت الميليشيات المسلحة مثل «حماس» و«حزب الله» و«داعش» عن شنّ الحروب الخاسرة. وهي حروب أكثرها على دولنا لضرب الاستقرار؛ لأن التحرير يحتاج لذلك أيضاً!

هي جهود جبارة، تلك التي بذلتها المملكة العربية السعودية وقطر ومصر والأردن والإمارات للتأثير على الرئيس الأميركي من جهة، وتقديم المساعدات للقطاع، واستصراخ العالم لوقف الحرب. وقد حققت نجاحات في حملتها الدولية، بحيث وقفت معها أكثر دول العالم، وغيّرت من موقف الرئيس الأميركي، وما اكتفت بالعمل على وقف النار، بل اتجهت لصنع السلام وبنائه بعقد شراكاتٍ عالميةٍ، والدخول في مشروع حلّ الدولتين وإيصاله للمحافل العالمية، وبذل كل جهدٍ ممكن للحيلولة دون استمرار الاستثمار في الخراب وإعادة بناء القطاع، وتأمين أطفال غزة وشيوخها ونسائها وشبابها.

وبنتيجة هذه الجهود هناك الآن مشروع شاسع للسلم يقوده الرئيس ترمب. وبالطبع فالأمر عسير، ليس بسبب إصرار نتنياهو على حرب الإبادة، ورفض مشروع الدولة الفلسطينية، بل بسبب الخطوات المتدرجة للمشروع التي تفترض الخطوة على أثر الخطوة. وقد تتعثر أمور كثيرة إذا تعثرت إحدى الخطوات لأي سبب. هذه المرة ما عاد السلام مغامرةً تبدأ بالحرب، بل هو بناءٌ بالصبر والثقة وبشراكة مع العالم.

فلنعد إلى شروط اتفاقية ترمب التي تتردد «حماس» في قبولها. لو لم يكن في الاتفاقية من الفوائد إلا إنقاذ أهل غزة من النار والحرب لكفى. فكيف وفي الاتفاقية الانتصار لمقاربة أخرى بالتوقف عن ربط المستقبل الفلسطيني بالتنظيم المسلح الذي حوَّل القطاع إلى غيتو منذ عام 2007. وهو غيتو للحصار الدموي، والانفصال عن فلسطين، وانتظار قرارات إيران، والمساومة على سلام أطفال غزة كل عام أو عامين!

لقد مضى من زمان عهد الميليشيات المسلحة والتحريرية، وعاد الأمر إلى الدول والعلاقات الدولية. وعلى ذلك استقر الأمر في جميع أنحاء العالم إلا فيما صار يُسمَّى الشرق الأوسط. فقد احتجنا إلى عشرات المذابح في المجتمعات والدول لإدراك ذلك. فعسى وقد عاد الأمر إلى الدول العربية أن تنهض قضية فلسطين من جديد، وأن تتخلص الدول التي لا تزال تسطو بها ميليشيات من الاستيلاء على قرارها واستقرارها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد