: آخر تحديث

الرابغي صديق فقدناه

1
1
1

خالد بن حمد المالك

قبل أربعة أشهر خطر في بالي أن أزور الزميل العزيز الأستاذ علي الرابغي (أبومروان) في داره بجدة بعد طول غياب، فاقترحت على الزميل الدكتور عثمان الصيني أن نزوره معاً فرحب بذلك، وحددنا الوقت المناسب لزيارته، ولم أكن أعرف أنها ستكون زيارة وداع، وأن هذا هو اللقاء الأخير في هذه الدنيا الفانية فيما بيننا.

* * *

في هذه الزيارة وجدت زميلنا وصديقنا متعباً، مرهقاً، مع ذلك يتحدث ببطء، ويتكلم بهدوء بما يشبه الصمت على غير ما اعتدناه في أبي مروان من صوت مجلجل، وتواصل في الحديث، لكني وجدته كما عهدته بشوشاً مرحباً وأنيساً، رغم أن المرض قد أنهكه، والسنين قد هدّت من حيله، وغيّرت الكثير من الملامح التي كان عليها.

* * *

عند زيارتي للمرحوم كان أحفاده وأقرباؤه يلتفون حوله، ويحيطون به، ويصغون لكلامه، سعداء بزيارتي والزميل عثمان الصيني، ما أثلج صدورهم، واعتبروها رفعاً لمعنوياته، وخلق جوا يضعه في حال أحسن، مقدرين مبادرتنا، بينما كان والدهم يتحدث عن الماضي والتاريخ والمناسبات والأحداث التي جمعتنا معاً، وقرّبتنا لبعض، وأصّلت العلاقة فيما بيننا.

* * *

كان علي الرابغي من بين أكثر الكتّاب والمحررين الرياضيين تميزاً في الموضوعية والاتزان، والسمو بالأفكار والرؤى التي يطرحها، حتى أنه عُدّ بين جيله من الصحفيين الرياضيين أحد من كانوا يقفون على الحياد وعلى مسافة واحدة بين كل الأندية، ما جعله موضع الرضا من كل الانتماءات الرياضية، وعلى علاقة محبة وتقدير من الجميع.

* * *

ولم يقتصر الزميل الرابغي في كتاباته على الشأن الرياضي، وإنما امتد للكتابة في مواضيع أخرى كثيرة اجتماعية وثقافية، ومنابعه لكل ما يستجد في الساحة المحلية والدولية من أحداث ومتغيّرات، باتزان وموضوعية وصدق، متناولاً بمداخلاته بما يضيفه من فكره لها من بعد وتحليل ورؤية كان لها متابعوها.

* * *

وكان الصديق على جانب من الخلق والتواضع والتواصل، بما جعل صورته وسيرته في أذهان محبيه وعارفيه، حتى وهو يغيب عن المشهد، بفعل المرض، وانكفائه على نفسه في بيته، دون أن تكون لديه القدرة للزيارات وحتى المكالمات في بعض الأحيان لكنه بما كان عليه قبل هذا المرض سوف يبقى في الذاكرة صديقاً مريحاً، يتمتع بجاذبية الخلق التي كان يتمتع بها.

* * *

وأحسب أن الإعلام، الصحافة تحديداً، تفقد اليوم وجهاً مألوفاً لدى القراء، وقلماً ناصحاً بين الأقلام، وصديقاً أحبه كل من عرفه لخلقه وتواضعه وإخلاصه، وسوف يترك غيابه فراغاً لن يملأه إلا من كان بصفات ومواصفات الإعلامي الزميل علي الرابغي.

* * *

لقد علمت من ابنه مروان أنه في العناية المركزة يتلقى العلاج، وعلمت فيما بعد من مروان نفسه عن وفاته، بينما كنا ندعو له بالشفاء، وننتظر عودته إلى أسرته ومحبيه، لكنها هي الحياة أقدار، وهو الموت الذي هو حق، وهكذا نحن في هذه الدنيا، هذا يولد، وهذا يودعها بالوفاة، كثيراً ما يعجز الطب، طالما كانت إرادة الله ماضية.

* * *

اللهم ارحم زميلنا، وعوضه دارا خيرا من داره، واجعل داره روضة من رياض الجنة، واغفر له، واجعله من أمة محمد المرضي عنهم من رب غفور رحيم، وامنح ابنه وبناته وأسرته كلها الصبر والسلوان، واقبل منا الدعاء، واشمله ضمن عبادك الصالحين بعطفك ومغفرتك، وجنات النعيم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد