«لو أخبرني أحدهم قبل بضع سنوات أنني سأعرض لوحاتي في الصين، لانفجرتُ ضاحكة». هذا ما تقوله لورانس أوزيير، طبيبة القلب الفرنسية التي دخلت ميدان الرسم الحديث متأخرة. وهي تستعد حالياً لإقامة معرض مشترك مع زوجها في متحف للفنون في هانغتزو، ثاني أكبر مدينة اكتظاظاً بالسكان في الصين. وللعلم فإن لورانس هي ابنة بريجيت ماكرون، زوجة الرئيس الفرنسي. وكانت زميلته على مقاعد الدراسة حين نشأت قصة الحب الشهيرة بينه وبين والدتها، معلمتهما.
قرابتها للرئيس ليست هي الموضوع، بل ما ترسمه بالاشتراك مع زوجها. وهي ليست أول طبيبة أو أول جراح يمارس هذا الفن أو يتسلّى به، ولن تكون الأخيرة. فهل يكون الجديد هو استخدامها لخلايا البشر في لوحاتها؟ حاولت أن أفهم ما يقوم به الزوجان من إنتاج أعمال فنية تنبع من اللُعاب، ويشترك فيها الحاسوب فاستوعبت النصف وغاب الباقي.
كانت لورانس متزوجة من طبيب قلب يماثلها في التخصص ثم انفصلت عنه واقترنت بماتيو جاسر، رفيق طفولتها الذي يعمل في الخدمات اللوجيستية. ليت هناك من يسعفني بترجمة اللوجيستية إلى العربية في كلمة واحدة. ومن الشريك الجديد انتقل إليها هوس الفنون الرقمية. تابعت مشروعه التشكيلي المبتكر ثم تورطت فيه. الحب يصنع المعجزات. درس تعلمته من والدتها.
تركت الطبيبة البالغة من العمر 47 عاماً تخطيطات قلوب مرضاها في ملفات عيادتها وانشغلت بتخطيطات جديدة. تعلمت الرسم على الشاشة. لكن أساس الشغل طبّي. يأخذ الزوجان مسحة من لعاب الإنسان، من اللسان أو باطن الخد. يحفظانها على زجاجة مجهر. يرسلانها إلى المختبر لتلوينها بطريقة علمية ثم يعاد تشكيلها بأصباغ الأكريليك على الورق. تقول الطبيبة الفنانة، في مقابلة منشورة معها، إن كل لوحة هي عمل فريد وشخصي يحمل الهوية البيولوجية لصاحب الخزعة.
في الربيع الماضي أقام الزوجان معرضهما الأول في معهد العالم العربي. حضر الافتتاح الرئيس وزوجته. واقتنت مدام ماكرون واحدة من اللوحات. رأينا بقعاً لونية على مساحات بيضاء وتعريشات تحاكي نباتات الطبيعة. تتأمل العمل الفني من مسافة مناسبة، كما علّموك، ثم تقترب وتحشر عينيك فيه باحثاً عن النطفة البشرية. كيف تحوّل اللعاب إلى لوحة؟
قبل 40 عاماً بدأ الصديق العراقي زهير شعوني، المقيم في فلوريدا، محاولات لتطويع الحاسوب لرؤيته الفنية. يعني جنونه. كان يعمل مصوراً فوتوغرافياً، وقد أنجز لوحات عظيمة من دون فرشاة ولا أصباغ. ومنها ما هو معروض اليوم في متاحف أميركا. وأذكر أنني أجريت مقابلة صحافية قبل سنوات مع فنانة مصرية كانت تستخدم جهاز استنساخ لتشكيل لوحات فنية. تضع كفها على السطح الزجاجي وتكبس باليد الثانية على زر الطباعة وتمهر الورقة بتوقيعها. نرى جماليات خطوط الكف وتشابكها. وفي واحدة من المرات جلست على الجهاز وطبعت الصورة. والفن ليس جنوناً خالصاً، لكنه شيء منه.