الهجومُ الإسرائيليُّ الذي استهدف قادةً من حركة «حماس» في العاصمة القطرية الدوحة، في 9 سبتمبر (أيلول) الحالي، شكَّل نقطةَ تحولٍ مفصلية في مسار الحربِ الإسرائيليةِ التي تشنُّها إسرائيلُ منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023. فالضربةُ العسكريةُ لم تقتصر على قتلِ شخصياتٍ فلسطينية وعنصرِ أمنٍ قطري، بل تجاوزت ذلك إلى خرقٍ مباشر لسيادةِ دولةٍ منخرطة بشكل رئيسيّ في المفاوضات من أجل وقفِ الحرب في غزة، وتهديدٍ للمنظومة الأمنية الخليجية التي تشكّل حجر زاوية لاستقرار المنطقة. من هنا، جاءت ردودُ الفعل الخليجية صلبةً في لهجتها ومضمونها، لتؤكد أنَّ أيَّ اعتداء على دولة عضو في «مجلس التعاون» هو تهديدٌ لبقية الدول.
الموقفُ السعوديُّ شكَّل ركيزةَ هذا الاصطفاف. في اتّصاله بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، أكَّد وليُّ العهد الأمير محمد بن سلمان، أنَّ المملكة «تدين الهجوم الإسرائيليَّ السافرَ، وتعتبره عملاً إجرامياً وانتهاكاً صارخاً لكافة القوانين والأعراف الدولية»، مشدداً على «وقوف المملكة التَّام مع دولة قطر فيما تتَّخذه من إجراءات لحماية أمنِها والمحافظة على سيادتها». هذا الموقفُ لم يكن مجردَ رد فعل آنيٍّ، بل تعبير عن رؤية سياسية تؤمن بأنَّ أمن الخليج وحدة واحدة. وقد جاءَ خطابُ وليِّ العهد أمام «مجلس الشورى» السعودي ليؤطّرَ هذه الرؤية ويؤكدَها، حين قالَ: «ندين الاعتداءات الإسرائيلية بالمنطقة، وآخرها العدوان الغاشم على قطر»، مضيفاً: «الاعتداء على قطر يتطلَّب تحركاً دولياً لمواجهة العدوان الإسرائيلي»، بل أبعد من ذلك ذهب الأمير محمد بن سلمان إلى الإعلان أنَّه «سنكون مع قطر في كل ما تتخذه من إجراءات بلا حد». هذه العبارات صاغت موقفاً سعودياً ثابتاً، يرى في المساس بالدوحة تهديداً مباشراً للرياض وأبوظبي والكويت ومسقط والمنامة؛ أي تهديداً جماعياً يتطلب استجابة جماعية.
وفي اتصالِ وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان برئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن، أكَّد أنَّ المملكة تقف إلى جانب قطر، وتدين «الهجومَ الإسرائيلي السافر»، وتعتبره «عملاً إجرامياً وانتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدولية».
ذلك يدفع إلى الاعتقاد بأنَّ الرياض لا ترى العدوان الإسرائيلي مجرد أزمةٍ سياسية ضمن سياق الحرب الجارية في الشرق الأوسط، بل عملية أمنية بالغة الخطورة.
في الدوحة، كان الخطاب صارماً ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي. وزارة الخارجية وصفت الضربة بأنها «اعتداء جبان» و«انتهاك صارخ لجميع القوانين والأعراف الدولية»، في حين شدد الأمير تميم بن حمد على أن ما جرى «اعتداء متهور وإجرامي»، مؤكداً أن قطر ستتخذ «كل الإجراءات اللازمة لحماية الأمن والسيادة».
التصريح الأبرز جاء على لسان وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن، الذي لم يكتفِ بالإدانة، بل دعا صراحة إلى محاسبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قائلاً: «ينبغي تقديمه إلى العدالة»، وذلك في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، معتبراً أن «ما فعله نتنياهو قضى على أي أمل للإفراج عن الرهائن». هذه المطالبة تُدخل القضية في مسار جديد؛ تحميل المسؤولية للقيادة السياسية الإسرائيلية نفسها، والدفع نحو المحاسبة القانونية عبر المؤسسات الدولية.
دولة الإمارات هي الأخرى وقفت بوضوح مع قطر، متضامنة معها تجاه العدوان الإسرائيلي؛ إذ زار الشيخ محمد بن زايد الدوحة، والتقى الشيخ تميم بن حمد. كما أنَّ وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد وصف الهجوم بأنه «انتهاك صارخ لسيادة دولة قطر، واعتداء خطير على القانون الدولي». هذا الموقف يوضح أن أبوظبي لا تفصل أمن الخليج عن سيادته، وأن أي خرق لقاعدة السيادة سيكون مرفوضاً مهما كانت الترتيبات السياسية الأخرى.
ما سلف يمثلُ نماذج على التضامن الخليجي الواسع في لحظة حرجة، ويجسد في بُعده الآخر انتقالاً من الإدانة إلى وضع السياسات. السيادة لم تعد مجرد شعار، بل باتت أساساً لرسم خطوط حمر إقليمية. المطالبة القطرية بمحاسبة نتنياهو تفتح الباب أمام المسؤولية القانونية، وتحميل إسرائيل تبعاتٍ مباشرة أمام المجتمع الدولي. الموقف السعودي يربط أمن قطر بأمن الخليج كله، ويضع المملكة في موقع متقدمٍ في مواجهة الحرب والفوضى التي تهدد المنطقة. الإمارات، رغم وجود علاقات مع إسرائيل، أكدت بوضوح تامٍّ أن ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال قبول الاعتداء على السيادة الخليجية.
أمام هذه التطورات، الأمن الخليجي المشترك بحاجة إلى تكثيف التحرك الدبلوماسي داخل «الأمم المتحدة» ومؤسسات المجتمع الدولي، مع احتمال الدفع نحو تحقيقات رسمية أو دعاوى قانونية، وهو ما تمنحه تصريحات الشيخ محمد بن عبد الرحمن زخماً إضافياً. إضافة إلى تعزيز المظلة الدفاعية المشتركة، عبر تطوير أنظمة الإنذار المبكر والدفاع الجوي، ورفع مستوى التنسيق العملياتي بين القوات الخليجية، خصوصاً أنَّ الهجوم أظهر الحاجة إلى ردع منظم. يضاف لذلك ضرورة احتواء تداعيات الأزمة سياسياً، مع الحفاظ على قنوات الوساطة مفتوحة؛ إذ إن إغلاقها سيزيد من احتمالات التصعيد، ويقوّض أي فرص لتسوية إنسانية أو سياسية تضع حداً للكارثة البشرية في غزة.
إنَّ ما حدث في الدوحة قد يسرع من إعادة تعريف الأمن الخليجي بوصفه شأناً جماعياً، لا مجرد مسؤولية وطنية لكل دولة على حدة؛ لأنَّ أمن هذه المنطقة ليس تفصيلاً جغرافياً، بل ركيزة أساسية في استقرار الاقتصاد العالمي، وهذا ما على واشنطن والعواصم الغربية أن تأخذَه بعين الاعتبار؛ فأي تجاهل لتداعيات هذا العدوان سيحمل تكلفةً استراتيجية باهظة.