: آخر تحديث

من وحي الإقامة في أسبانيا

4
4
5

يعتبر البروفيسور «روي كاساغراندا» Roy Casagranda، أستاذ التاريخ والدراسات، واحداً من أكثر الغربيين اهتماماً بالعلوم والدراسات الإسلامية وشغفاً بالعلماء المسلمين والعرب، وتقديراً لدورهم في الحضارة الغربية.

يعمل الأستاذ روي في تدريس علوم الحكومة في كلية أوستن، تكساس، منذ 1995، وتتمحور اهتماماته البحثية حول تقاطع السياسة والتاريخ والاقتصاد وعلم النفس والفلسفة. ويرى أنه لا شيء أفضل من التدريس في الجامعة، وله محاضرات قيمة، ويعتبر نفسه خبيرا في شؤون الشرق الأوسط. كتب لسنتين تقريبا في مجلة «مهنامه»، الشهرية الإصلاحية الإيرانية، إلى أن أغلقتها السلطات. كما كتب في صحف أمريكية عن الربيع العربي. ويتحدث عدة لغات، منها العربية والألمانية، وعاش في مصر ولبنان والجزائر وإنكلترا، وبعض دول الشرق الأوسط.

* * *

سبق أن تطرقت، أكثر من مرة، عن مشاعر الود، أو على الأقل القبول، التي يلقاها العربي في اسبانيا، خاصة في الأندلس أو الأندالوسيا، مقارنة ببقية أوروبا، والتسمية عربية محرفة من اسم قبيلة الوندال Vandals الجرمانية التي استوطنت المنطقة في الفترة 409 إلى 429 ميلادية، واسمها باللاتينية Vandalusia.

تتمتع الأندالوسيا والمقاطعات الأسبانية الـ16 الأخرى، بحكم ذاتي، وتدير أمورها بسلطات واسعة. سبق أن حكم العرب المسلمون الأندلس، وأجزاء كبيرة أخرى من مقاطعاتها، لما يقارب الثمانية قرون، وحتى سقوط غرناطة عام 1492. شهدت الأندلس خلال هذه الفترة ازدهارًا ثقافيًا وعلميًا وحضاريًا، وتعتبر فترة حكمهم من العصور الذهبية في تاريخ المنطقة، وتخللتها أعمال بطش وقتل واضطرابات لا حصر لها، خاصة بين الممالك العربية نفسها.

يقول البروفيسور «روي» ان أوائل «الموجات البشرية الكبيرة» التي استوطنت الأندلس قدمت من اليمن وسوريا، إضافة للقرطاجيين (تونس) والألمان والقلط. ومع الوقت أصبح الجميع يتحدث بلغة خليط من العربية واللاتينية، ويرتدون الملابس العربية، ويأكلون كالعرب، لكنهم مع هذا آمنوا بأنهم أوروبيون، متجاهلين كليا سابق أصولهم، ومنها بدأت حركة الفصل أو الانفصال عن الأصل أو الجهة التي سبق أن قدموا منها، وعن كل ما يمت للعرب بصلة، وغالبا بشكل متعمد، وسعوا حتى لشطب الكلمات العربية من قواميسهم، لكن مع ذلك بقي الكثير منها مستعملا، ورسميا، حيث نجدها في اسماء المدن والأطعمة والمواد الأخرى، وبين ذلك صعوبة أو شبه استحالة الفصل بين الثقافتين.

يرى البروفيسور «روي» أن الاسبان كرهوا المسلمين، إلا أن الكراهية كانت دينية، ولو كان العرب مسيحيين لربما تقبلوهم بطريقة أفضل. ومع خروج المسلمين من الأندلس بدأت حرب التخلص منهم بطريقة عنيفة، وكان قادتها، في غالبيتهم، من خارج الإقليم. ومع الوقت حرص هؤلاء على وضع قواعد تفرق بين الاسباني الأوروبي، وبين الاسباني المهاجر، العربي أو المسلم السابق، ووجدوا ضالتهم في لون البشرة، فسعوا لوضع ما يشبه الجدول يتضمن طبقاتها، التي يمكن عن طريقها تحديد من هو المسلم ومن هو المسيحي «النقي»، ومن هو الأكثر قربا للإسلام، فكلما كانت البشرة داكنة، كان صاحبها أقرب للعرب والمسلمين، وكلما زاد بياض البشرة كان أكثر قربا للأوروبيين، ومن اسبانيا انتشرت، كالسرطان، فكرة التفرقة العنصرية، اعتمادا على لون البشرة، لبقية أوروبا.

* * *

نشكر حكومة مملكة اسبانيا، في شخص سفيرها المميز، على الموقف الجميل الذي وقفته من القضية الفلسطينية، والذي يستحق منا جميعا كل تقدير واحترام. 


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد