: آخر تحديث

أسود الجزيرة والعقوبات الكويتية

6
4
4

انقسمت العقوبات عبر التاريخ للمخالفين والعصاة والمتمردين على القوانين إلى أنواع عدة، ولكن مع التقدم البشري والتمدّن انحصرت في ثلاث: الغرامة المالية، السجن، أو الإعدام، التي تطبقها بانتظام مثل الصين وإيران والسعودية، والعراق ومصر، وأغلبية الولايات الأمريكية، واليمن، والكويت. وهناك من لم تلغ العقوبة، لكن لا تنفذها غالباً، مثل الهند، اليابان، ماليزيا، وكوبا وغيانا. وهناك اتجاه عالمي نحو إلغاء العقوبة، أو قصرها على الجرائم الوحشية، أو الخيانة العظمى.

توجد في الكويت، ربما بخلاف كل دول العالم، عقوبة رابعة فريدة، هي وقف العمل بالبطاقة المدنية، سواء عمداً أو بطريق الخطأ، أو لأية أسباب أخرى، فيصبح حاملها شخصاً موجوداً جسدياً، وغير مرئي قانونياً وتجارياً، وتنقطع صلته بأعماله وأمواله، وربما حتى بأسرته.

* * *

تختلف النظرة أو التفسير القانوني لـ«السجن المؤبد»، من دولة لأخرى. ففي أمريكا يعني ما تبقى من حياة السجين. وفي بعض الولايات يعني 25 سنة فقط. ونرى ذلك نفسه في الكويت ومصر وكندا وإيطاليا 26 سنة، وتركيا 24 سنة، أما بريطانيا فتتفاوت الفترة من 15 إلى 25 سنة، وألمانيا 15، والأقل عالمياً اليابان 10 سنوات فقط. كما أن هناك دولاً لا تحدد الفترة، وتترك الأمر لتقدير القاضي.

بالرغم من أن الفترة في الكويت، طبقاً للقانون هي 25 سنة، فإنه كان لافتاً ومحزناً ما ورد على لسان أحد الدعاة، والذي كان يوماً من المحرضين على اتخاذ العنف طريقاً، قوله، أمام جمع من المساجين، الذين تم العفو عنهم، قبل بضعة أيام، إن بعضهم قد قضى في السجن 26 و27 و28 سنة! استغربت الأمر، فأجريت بعض الاتصالات فتبيّن أن هناك من قضى في السجن أكثر من 30 عاماً، والسبب «ضياع ملفاتهم»!

من منجزات هذا العهد الإصلاح الجذري، الذي وصل حتى السجون، والبدء بالتوسّع في برامج العفو، رحمة بالكثيرين، خصوصاً الذين نالهم ما يكفي من عقاب.

* * *

صدر في ديسمبر 2005 الحكم الأولي في قضية «خلية أسود الجزيرة»، وشمل 37 متهماً، من بينهم 9 هاربين، حيث قضت المحكمة بإعدام 6 متهمين، والمؤبد لآخر، ومدد متفاوتة على البقية. وفي يونيو 2007، أصدرت محكمة التمييز حكمها النهائي في القضية، حيث خففت أحكام الإعدام عن أربعة متهمين إلى السجن المؤبد، وأيدت العقوبات الصادرة بحق الآخرين. وفي يناير 2025، تقرر سحب جنسية خمسة من المدانين في الخلية، ضمن إجراءات شملت 38 شخصاً أدينوا في قضايا تتعلق بالإرهاب، استناداً على نص يجيز إسقاطها عن كل من يثبت تورطه في أعمال تمس ولاءه للبلاد.

أرى شخصياً، ومن منطلق الرحمة، أن من المهم التوسّع أكثر في موضوع العفو عن المساجين، وإطلاق سراح أكبر عدد منهم، خصوصاً الذين قاربت سنوات سجنهم، الفعلية، حتى الآن العشرين عاماً، بعد التيقن من حقيقة صلاحهم، وندمهم على ما اقترفته أيديهم، خاصة أن بالإمكان مراقبة تحركاتهم، وتحديدها ضمن نطاق معين. وربما جاء القرار الأخير بإطلاق سراح أفراد خلية أسود الجزيرة، السبعة، من هذا المنطلق.

* * *

يكلف السجين الواحد الميزانية العامة مبلغاً كبيراً، وإطلاق سراح غير الخطرين منهم، مع فرض ارتداء السوار الأمني عليهم لفترة، سيوفر الكثير على الدولة، جهداً ومالاً، ويتيح لهؤلاء ولأسرهم العودة لسابق حياتهم الطبيعية.

شكراً لجهود وزير الداخلية في هذا الصدد.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد