: آخر تحديث

هكذا تزدهر الحياة

4
4
4

لاحظ الفيلسوف اليوناني أرسطو في كتابه «السياسة» أن الإنسان ليس مخلوقاً للعزلة، بل بطبيعته كائن اجتماعي، أو كما قال: «الإنسان بطبيعته كائن سياسي». لم يقصد بذلك السياسة بمفهومها الحالي، بل أشار إلى أن الإنسان لا يحقق ذاته إلا في داخل المجتمع. فالفرد الذي يعيش خارج نطاق العلاقات الاجتماعية، إما أن يكون فوق الإنسانية وإما تحتها. بالنسبة إلى أرسطو، اللغة والعقل هما الوسيلتان اللتان تجعل الإنسان قادراً على التواصل حول مفاهيم مثل العدالة والأخلاق، ما يجعله يميل بطبيعته لتشكيل جماعات وتنظيمات. الحياة الإنسانية، كما يراها أرسطو، تزدهر في ظل وجود قوانين مشتركة وعلاقات متبادلة ومسؤولية أخلاقية تجاه الآخرين.ما أكده أرسطو، وما ينسب له، قبل أكثر من ألفي عام، أصبح اليوم مدعوماً بأبحاث علمية معاصرة في مجال علم النفس والأعصاب والاجتماع. وفق دراسة أعدها الباحثان فريتز ستراك ورولاند دويتش من جامعة فورتسبورغ في ألمانيا، وتم نشرها في مجلة Personality and Social Psychology Review، فإن السلوك الاجتماعي يتأثر بالتفاعل بين عوامل شخصية، مثل الجينات والسمات النفسية، وعوامل بيئية مثل العرف الاجتماعي والعرف الثقافي. الدارسة التي تحمل عنوان «المحددات الانعكاسية والاندفاعية للسلوك الاجتماعي»، على الرغم من الاسم الذي يبدو معقداً، تحمل الفكرة البسيطة نفسها التي عبر عنها أرسطو. قدم الباحثان نموذجاً لفهم السلوك البشري، حيث أشارا إلى أن السلوكيات الاجتماعية تنشأ من أشياء مثل العادات المكتسبة. وتؤثر الأعراف والتقاليد الثقافية في ما نعتبره سلوكاً مقبولاً أو مرفوضاً، فتوجه خياراتنا دون أن نشعر أحياناً. هذا التفاعل المستمر بين الفرد ومحيطه يعزز الفكرة بأن هويتنا الأخلاقية والاجتماعية ليست جينية بالكامل ولا مكتسبة بالكامل، بل هي نتاج عملية ثقافية اجتماعية مستمرة.تؤكد هذه الفكرة أهمية العلاقات الاجتماعية في رفاه الإنسان، فعندما ينخرط الفرد في جماعة يشعر بالانتماء، يرتفع مستوى التعاطف، وتنخفض مستويات التوتر. أما العزلة، سواء كانت ناتجة عن ظروف خارجية أو اختيارات شخصية، فقد تؤدي إلى ضعف في الصحة النفسية والاجتماعية. ولذلك، يمكن القول إن فهمنا للسلوك الاجتماعي لا يساعد فقط في تفسير تصرفات الأفراد، بل يوجه كذلك السياسات التعليمية والاجتماعية والصحية نحو بيئات تدعم الترابط والتعاون. www.shaimaalmarzooqi.com


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.