بعد ٣٥ عاما من احتلال عراقي قاس للكويت، وصف بانه الأبشع والاقسى وانا اضيف له.. الاكثر ظلما، لابد لنا من الوقوف امام هذا الحدث، لتقييم كل ما حدث تقييما جادا علميا تاريخيا وواقعيا.. بعيدا عن العواطف والمشاعر والمجاملات.
هل تم التعامل مع قضية الكويت بشكل صحيح في كل جوانبها، من جانب الكويت الدولة المُحتلة، او من العالم كمتلق لخبر الغزو والاحتلال.. ورد فعله عليه؟
هل تم التعامل مع قضية الكويت انذاك بشكل عادل، رغم انها قضية عادلة؟
لا يمكن اخفاء ان قضية الكويت لم تُقدَّم بشكلٍ إنساني وثقافي بعمق وبشكل مستمر كما يجب ويُفترض..
هل قُدمت او استعرضت القضية الكويتية آنذاك وفي السنوات اللاحقة بالشكل اللازم، والمؤثر في التعاطف العربي والعالمي الكامل والمفترض؟
ما دفعني لقول هذا ان بعض الشعوب العربية والعالمية كانت شبه غائبة او غائبة تماما عن تفاصيل الغزو والاحتلال العراقي للكويت في جانبه الانساني اولا... اكثر منه السياسي.
تم اختزال غزو الكويت في «غزو نفطي» و«تدخل أمريكي لحماية النفط» بدلاً من التأكيد على العدوان على دولة مستقلة ذات سيادة.. حيث مُحيت دولة مسالمة وآمنة من الخريطة بيوم وليلة بسبب قرار اهوج من رئيس اصبح في خبر كان.
كنت في لندن وبرفقة سائق من الصومال.. الذي فغر فاهه مندهشا مما حكيته له عن الغزو وجرائم صدام، الانسانية والبيئية. فقد اعترف هذا السائق الصومالي انهم كانوا ولا زالوا بعيدين عن كل ما سمعه مني.. ولاول مرة.
وقبل ترجلي من السيارة، اعرب لي عن سعادته بلقائي وشكره وتقديره لكل المعلومات التي سمعها لاول مرة عن هذه الخطيئة من جار مسلم قاده حاكم اهوج.
بالتأكيد هناك أسباب متداخلة منعت وصول القضية إلى «مداها الحقيقي» في الوعي الجماهيري العالمي والعربي.
نعم.. تفاعل العالم معنا... بدليل حرب التحرير التي شارك بها عدد كبير من الدول الحليفة العربية والإسلامية والعالمية، ولكن ذلك كله كان يمس الجوانب السياسية والعسكرية، اكثر منه في الجانب الانساني ومعاناة الكويتيين كأفراد تعرضوا للاعتقالات والإعدامات والخوف، وما حدث في المقاومة الشعبية، لان هذه جوانب كان يمكن أن تحرّك الضمير العالمي بشكل اوسع واكثر.
ومع مرور الزمن، تنطفئ الذاكرة السياسية والإعلامية شيئا فشيئا وتبدأ بالتآكل مع النسيان.. خاصة مع تجدد قضايا كثيرة عربية وعالمية في فترة ما بعد التحرير.
ما زال بالإمكان إعادة إحياء الذاكرة، ليس بهدف التأثير في العلاقات الكويتية - العراقية، لا وألف لا، بل للتذكير بأخطاء بعض القيادات السياسية بسبب اطماع وغياب رؤية وتزوير التاريخ وعدم ادراك تداعيات بعض تصرفاتهم الهوجاء.
عبر الفن، والإعلام، والتعليم، وتوثيق الرواية الشعبية للكويتيين الذين عاشوا الاحتلال يوماً بيوم، يمكننا توثيق هذا الحدث تاريخيا.
نعم هناك أفلام ووثائقيات ومقالات، إلا أنها تبقى في خانة المحاولات الشخصية والمبادرات الخاصة، فالكويت لم تُنتج حتى الان انتاجا فنيا ثقافيا قويا (على الاقل من الجانبين الانساني والتاريخي) يخلّد الغزو كما فعلت شعوب أخرى مع مآسيها.
لا انسى فيلما.. لم انتبه الى الهدف الاساسي منه (الهولوكوست).. الا قبل نهايته بخمس دقائق، وبتأثير غاية في القوة، حول طفل يهودي دخل بالصدفة الى مخيمات اليهود الذين جُمعوا تمهيدا لحرقهم في الافران (كما يدعون)، فأعطى والده الجنرال الكبير الامر باشعال النار في الافران التي وضع بها ابنه مع الاخرين.
إقبال الأحمد