شهد العالم، في 2 أغسطس 1990، غزو عراق صدام لدولة الكويت، حيث اجتاحت جحافل حرسه الجمهوري دولتنا، وعاثت فيها خراباً وفساداً، والذي استمر سبعة أشهر، تحررت الكويت بعد تدخّل تحالف دولي واسع بقيادة الولايات المتحدة، في معركة «عاصفة الصحراء».
وصفت تلك الحرب، في أكثر من مقال، بأنها كانت الأكثر غباء في تاريخ المغامرات العسكرية، وبيّنت الأضرار والكوارث، التي يمكن أن يقع فيها الدكتاتور، الذي لا يرى رأياً غير رأيه، ولا يسمع صوتاً إلا صوته، وهذا ما رأيناه في حربه العبثية مع جارته إيران، والأخطاء القاتلة التي ارتكبها فيها، وكررها في الكويت، وكان بإمكانه، بقليل من الحصافة والاستماع للعسكريين والخبراء، وهو الجاهل بكل أمر بخلاف قتل مناوئيه، أن يستمر في احتلاله الجائر، وأن يستفيد من الفرصة، وربما ينسحب في الوقت المناسب، وينقذ عنقه من المصير المحتوم، وينقذ وطنه من خراب متوقع، ولكنه تكبّر وأبى، كعادة أي دكتاتور غبي جاهل.
من أكثر الأخطاء التي ارتكبها صدام، وأفضلها بالنسبة لنا، وهو الذي أعطى نفسه أرفع الرتب العسكرية، وأصرّ على قيادة جيش مكون من مليون جندي، بالرغم من أنه لم يتلقّ يوماً أي تدريب عسكري، ولم ينهِ حتى دراسته، نجاح القيادة الشرعية الكويتية في الخروج ليلاً من البلاد بسلام، ومثّل وجودها الحي والصامد، في الخارج، رمزاً وطنياً التف الجميع حوله، وكان عنوان استقلالية الكويت، وحقها في الحياة، واتفاق مواطنيها، بمختلف أطيافهم، في مؤتمر جدة، والتفافهم حول قيادتهم، وتجديد ولائهم لحكمها الشرعي.
كما ساهمت أخطاء صدام، من وجهة نظر عراقية عسكرية، في رفض أي مواطن كويتي في التعاون معه، وهذا ما أعطى العالم المبرر لتكاتف 34 دولة تقريباً للمساهمة في حرب التحرير، ومقتل صدام تالياً، وأغلبية ورثته الذكور من بعده، وتشرّدت بقية أسرته.
من أبرز الأحداث في الأيام الأخيرة للغزو، وأثناء انسحاب القوات العراقية من الكويت، قيام الطائرات الحربية الأمريكية بقصف أرتال طويلة من السيارات والمركبات المدنية والعسكرية على الطريق السريع رقم 80، الذي يؤدي إلى العراق، المعروف إعلامياً بـ«طريق الموت»، وكان ذلك في ليلة 26 فبراير 1991، وتركز الهجوم على الأرتال العسكرية المنسحبة، مما أدى إلى تدمير مئات المركبات والدبابات والشاحنات والحافلات والعربات المدنية والعسكرية.
لم تكن هناك إحصائيات رسمية دقيقة للخسائر البشرية والمادية، لكن تقديرات المصادر الأمريكية تحدثت عن تدمير نحو 2700 مركبة، وحوالي عشرة آلاف قتيل. بينما رأت مصادر أخرى أن الأرقام مُبالغ فيها، وحصرت الخسائر ببضعة آلاف من الجنود العراقيين، وقرابة 1400 مدرعة ومركبة. كما اعتبر المراقبون أن ذلك القصف كان من أكثر مشاهد الحرب قسوة وإثارة للجدل حتى اليوم، إذ واجه انتقادات كونه استهدف عدداً كبيراً من المركبات المدنية والعسكرية المختلطة أثناء انسحاب القوات العراقية. وقد بقي هذا الحدث علامة في ذاكرة حرب الخليج الثانية، وهو يرمز إلى نهاية الاحتلال العراقي للكويت وبداية مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة.
كما ذكر بعض العسكريين، وشهود عيان، أن عدم وجود جثث لجنود أو مدنيين عراقيين ضمن المركبات، التي أصيبت خلال الفرار الجماعي، يعود إلى حقيقة أن معظم الجنود، الذين كانوا فيها، عمدوا إلى الفرار وترك مركباتهم بمجرد بدء الهجوم الجوي الكثيف، كما أن جزءاً ضخماً من العربات تشتت في الصحراء باتجاه الشمال فور إصابة العربات الأولى والأخيرة، مما أدى إلى حالة فوضى وهروب جماعي بعيداً عن الطريق، وبالتالي لم يستدل عليهم.
كما أشار بعض مراسلي الصحف، الذين حضروا في الأيام الأولى بعد القصف، إلى عدد من الجثث المحترقة داخل المركبات أو بجوارها، ولكن الكثير من الجثث إما تفحّمت بالكامل بفعل النيران أو دُفنت بسرعة، سواء بطريقة فردية سريعة أحياناً من قبل رفاقهم أو القوات المتقدمة، أو بسبب شدة الحرارة، التي حولت الجثث إلى رماد يصعب التعرّف عليه لاحقاً.
دروس التاريخ كثيرة، لكن قلة من يستوعب ويتعلّم منها شيئاً.
أحمد الصراف