عبدالله خلف
بلغ العشق في مجنون بني عامر، أن أخرجهُ حاله إلى الوسواس والهيمان وذهاب العقل وكثرة الهذيان، وهام بين الأودية وصعود الجبال والسّير على الرمال الحارة...
وإذا ذُكرت ليلى ثاب إليه عقله وأفاق من غشيته...
وإذا قُطع ذكرها رجع إلى وسواسه وهذيانه، وتماديه في ذهاب عقله... وحكي عن ابتداء وسواسه، أنه أخذ بالهذيان وذهاب عقله، وذكر أنه قيل لأبيه لو أخرجت قيساً أيام الموسم وأمرته أن يتعلق بأستار الكعبة، ويقول اللهم أرحني من حب ليلى لعل الله يريحه من حبها...
فتعلق باستار الكعبة وقال:
اللهم زدني لليلى حُباً إلى حبها
وأرني وجهها في خير وعافية
فقال مردّداً:
ذكرتُك والحجيج له ضجيج
بمكة والقلوب لها وجيبُ
فقلتُ ونحن في بلد حرام
به لله أخلصت القلوب
أتوب إليك، يا رحمن مما
علمت، فقد تظاهرت الذنوب
وأما من هوى ليلى وتركي
زيارتها، فإني لا أتوبُ
وكيف وعندها قلبي رهينٌ
أتوب إليك منها أو أنيب؟!
وقال:
ولو أن ما بي بالحصى فلق الحصى
وبالريح لم يُسمع لهن هُبوبُ
ولو أنني أستغفر الله كلما
ذكرتك لم تكتب عليّ ذنوبُ
وقال:
لقد هتفت في جنح ليلٍ حمامة
على فنن تدعو، وإني لنائم
أأزعم أني عاشق ذو صبابة
بليلى، ولا أبكي، وتبكي الحمائم
كذبت، وبيت الله، لو كنت عاشقاً
لما سبقتني بالبكاء الحمائم
وسمع هاتفاً في الليل وهو ينادي يا ليلى يا ليلى... فخرّ مغشياً عليه.
ثم أفاق وهو يقول:
وداعٍ دعا إذ نحن بالخيف من منى
فهيّج أحزان الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى، أسخن اللهُ عينه
وليلى بأرض عنه نازحة قفر
وعرضتُ على قلبي الغراء فقال لي
من الآن فاجزع لا أعزك من صبر