: آخر تحديث

كتب وأبواب

3
3
3

وضع الباحث باسكال ديبي، أستاذ الإثنولوجيا في جامعة باريس ديدرو-السوربون، كتاباً في أكثر من 600 صفحة من القطع الكبير، يقرأ فيه ظاهرة الأبواب في التاريخ والحضارات والمعمار، قرأ المُعطى الإنثروبولوجي والجمالي والدلالي للأبواب في مصر القديمة وفي اليونان، كما قرأ رمزيات الباب في الكاتدرائيات والكنائس وقصور العدل والبرلمانات، ويُخيَّل إليك في دراسته العذبة «الشعرية» هذه أنه لم يترك باباً في كل حضارة حيّة، إلّا وقرأه من زاويته البحثية الإثنولوجيَّة، والإثنولوجيا هي فرع من الإنثروبولوجيا يُعنى بالدراسة التاريخية والمقارنة للثقافات أو للشعوب بحسب الهامش الذي وضعته مترجمة الكتاب الباحثة السورية رندة بعث.هنا، أتوقف عند فصل في حدّ ذاته يتصل بالعلاقة بين الباب والكتاب ويقول ديبي: إن فتح كتاب هو بمثابة جذب باب ومن أغرب الكتب التي ترد في هذا البحث كتاب «الطومار» وهو بحسب المترجمة، كتاب أساسه أوراق بردي ملصق بعضها ببعض ويلتف على ذاته، ابتُكر في مصر قبل 3000 سنة من الميلاد، يكون النصّ فيه مكتوباً بأعمدة متوازية ضيّقة إلى حدّ ما ويقول المؤلف: إن الطباعة كانت تزدهر منذ عام 1445م في البلاد الجرمانية وفي عام 1465م ازدهرت في إيطاليا ودخلت فرنسا في عام 1470م وكانت أوّل ورشة طباعة باريسية في مبنى السوربون، لكنها، كما يقول ديبي: لم تعمل إلّا لمدة ثلاث سنوات وفي فرنسا كانت مدينة ليون هي المكان الذي أُجريت فيه أُولى تجارب إدخال رسوم إلى الكتاب.دراسة باسكال ديبي للتاريخ الإثنولوجي أو الإنثروبولوجي للباب، أخذته بالتدريج إلى دراسة تاريخ الكتاب، بل تاريخ النشر في أوروبا في القرون الوسطى وسوف تعرِّفنا هذه الدراسة الأنيقة فعلاً بمؤرخ فرنسي متخصص في تاريخ الكتاب والنشر وهو هنري جان مارتان (1924-2007) مؤسس مدرسة الكتاب الفرنسية.يدخل على خط صناعة الكتاب نوعان من الفنون الجمالية ذات الصلة بالفنون التشكيلية وهما: فن الطباعة، وفن الحفر ويقول ديبي: إن غلاف الكتاب أصبح بذاته فنّاً «فأصبح هو الباب».يعتبر ديبي أن غِلافَيّ الكتاب هما بابان للنصّ، باب يفضي إلى نص الكتاب والذي هو «الغلاف الأول» ثم باب ينغلق عليه وهو «الغلاف الأخير».الكتاب عمارة قائمة بذاتها، إنها بنية وبناء ثقافي من الورق والحبر وإذا كانت بعض الآثاريات المعمارية تعمِّر إلى مئات وآلاف السنين، فإن بعض الكتب تعمِّر إلى الأبد.يقول ديبي: إن الأرواح تقطن في الأبواب ويمكن أن يضاف إلى هذا القول غير الافتراضي: إن الأرواح تقطن أيضاً في الكتب.يقول أيضاً: إن الصلاة تفتح الأبواب وفي المقابل، إذا فتحت كتاباً فكما لو أنك تفتح فردوساً صوفياً.بعض الأبواب لا تُفتح إلّا بالعنف والقوّة والاحتلال، وما من كتاب إلّا وتفتحه يدا الإنسان بحنان وسلام.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد