: آخر تحديث

الكتب تزيد بسرعة وشراؤها ينخفض أسرع

5
5
4

عبدالرحمن الحبيب

«معظم الكتب لا تبيع سوى اثنتي عشرة نسخة» حسبما قالت الروائية كريستين ماكلين عن مبيعات الكتب في عامها الأول، بالمقابل يزيد تأليف الكتب أضعافاً مضاعفة بشكل مذهل خاصة تلك المنشورة ذاتياً من المؤلف دون الحاجة إلى دار نشر، بينما تنخفض مبيعات الكتب بشكل حاد حتى أصبحت دور النشر تطلب من المؤلف الدفع النقدي مسبقاً للنشر لعدم ضمانها تغطية التكاليف، في الوقت الذي أغلقت فيه كثير من المكتبات فيما تحولت أغلب المكتبات الباقية إلى بيع الأدوات المدرسية والمكتبية وأجهزة الكمبيوتر والألعاب وصار مكان الكتب في حيز صغير يشبه التحف التي تزيِّن المكتبة.. فما الذي يحصل لنشر الكتب؟

إذا أخذنا الأرقام فنجد مثلاً أنه تم نشر 2.3 مليون كتاب ذاتي النشر بالولايات المتحدة عام 2021، كعناوين جديدة حصلت على ISBN من بوكر (الرقم الدولي المعياري للكتاب ويُختصر عربياً إلى ردمك)، وتشير تقديرات حديثة إلى أنه يتم سنوياً نشر بالمتوسط حوالي 270 ألف عنوان جديد من خلال الناشرين التقليديين (2022)، ليصبح إجمالي عدد العناوين الجديدة التي يتم نشرها سنويًا بالولايات المتحدة حوالي 3 ملايين عنوان! وإليكم الرقم المذهل حقًا: فقد زاد عدد العناوين الجديدة المنشورة سنويًا بأكثر من عشرة أضعاف خلال السنوات الست عشرة الماضية وفقًا لبوكر.

توضح دار نشر بيريت-كوهلر حقائق «مروعة» عن التشبع الضخم لسوق الكتب، فبحلول عام 2020، وزّعت شركة بوكر 40 مليون تسجيل ISBN لمنشورات أمريكية غالبيتها متاحة للبيع لكن السوق ببساطة لا يستوعب كل هذا الكم الهائل، بينما يحصل الناس على الأسهل والمزيد من معلوماتهم من الإنترنت ومن وسائل التواصل الاجتماعي.

خلال العشرين سنة الماضية لم يشهد سوق الكتب نموًا يُذكر رغم الطفرة الهائلة في عدد الكتب المنشورة، فوفقاً لرابطة الناشرين الأمريكيين إذا عدلنا أرقام المبيعات حسب تأثير التضخم، فإن إيرادات صناعة الكتب انخفضت فعليًا بنسبة 38 % بين عامي 2000 و2022، ويبدو أن القادم سيشهد مزيد من الانخفاض. فحتى مع إضافة المبيعات خارج الولايات المتحدة ومبيعات الكتب الإلكترونية والكتب الصوتية والمبيعات خارج قنوات البيع بالتجزئة، فإن متوسط مبيعات الكتاب الجديد المنشور اليوم أقل بكثير من ألف نسخة على مدار عمره في جميع الأشكال وفي جميع الأسواق حسب بيريت-كوهلر.

أمام هذا الواقع فإن احتمالية عرض كتاب ما في مكتبة معينة هو أقل بكثير من 1 %، كما توضح بيريت-كوهلر لأن لكل مساحة متاحة على رفوف مكتبة ما يتنافس ما بين 100 و1000 عنوان أو أكثر على تلك المساحة، فعلى سبيل المثال، يتراوح عدد عناوين الأعمال المعروضة ما بين أقل من 100 (في المكتبات الصغيرة) إلى ما يصل إلى 1500 (في المكتبات الكبرى)، ومع ذلك، تتنافس ملايين الكتب المطبوعة على تلك المساحة المحدودة.

هل يمكن استثمار تسويق كتاب جديد مثلما كان قبل عشر سنوات؟ تجيب دار النشر أن عائد مبيعات الكتب الجديدة أصبح أقل بكثير اليوم، ويزداد البيع صعوبة كل عام، فقد أصبحت العديد من فئات الكتب مشبعة تمامًا، مع وجود فائض منها في كل موضوع، وصار إبراز أي كتاب أمرًا صعبًا بشكل متزايد مع تنافس كل عنوان مع ملايين العناوين الأخرى المتاحة للبيع، بينما تستحوذ وسائل الإعلام الأخرى على المزيد من وقت الناس؛ ففي هذا السوق المزدحم، يبرز المؤلفون والكتب ذات الأسماء التجارية المشهورة، ويذهب جزء متزايد من المبيعات - التي هي أصلاً محدودة - إلى الكتب الأكثر مبيعًا.

إذن، من الذي يشتري الكتاب؟ تُباع معظم الكتب اليوم لمجتمعات المؤلفين والناشرين فقط، رغم أن هناك مئات الكتب المشوقة والمفيدة للقراءة، لكن الوقت ضيق على الناس والعناوين كثيرة، فأصبحوا لا يقرؤون إلا الكتب التي تعتبرها مجتمعاتهم مهمة أو حتى إلزامية، فباستثناء الكتب الروائية لا يوجد جمهور عام لمعظم الكتب.

طالما أن الأمر كذلك، صار المؤلفون، وليس الناشرون، يقومون بمعظم عمليات تسويق الكتب اليوم، ولا يزال الناشرون يقومون بأدوار مهمة في مساعدة الكتب الحرفية على النجاح وجعل الكتب متاحة في مئات أو آلاف قنوات البيع، ولكن ما إذا كانت الكتب تتحرك في هذه القنوات يعتمد في المقام الأول على كيفية دعم المؤلفين لكتبهم.

لا تشهد أي صناعة أخرى هذا الكم الهائل من المنتجات الجديدة، فكل كتاب جديد يحتاج إلى اقتناء وتطوير وإعادة صياغة وتصميم وإنتاج، وتسمية وتصنيع وتعبئة وتسعير وتقديم وتسويق وتخزين ليتم بيعه مما يحد من حجم استثمارات الناشرين في أي كتاب جديد وفي حملته التسويقية، حسب بيريت-كوهلر التي توضح أن الهوامش الضئيلة لهذه الصناعة، والتعقيدات الكبيرة لأعمالها، والمنافسة الحادة، والاضطرابات الشديدة في سلسلة التوريد، وتقلّب التقنيات الجديدة، والنمو السريع لوسائل الإعلام الأخرى، تؤدي إلى اضطرابات مستمرة في نشر الكتب وبيعها، بما في ذلك إغلاق وبيع العديد من دور النشر وبرامج النشر كل عام.. بمعنى آخر: توقعوا المزيد من التغييرات والتحديات في السنوات القادمة، من يدري فقد تصبح الكتب منتج أثري.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد