: آخر تحديث

القمة العالمية للحكومات منصة للقوة الناعمة واستشراف المستقبل

9
9
10

ذياب بن غانم المزروعي

يشهد النظام العالمي تحولات جيوسياسية واقتصادية متسارعة، وتتعاظم فيه التحديات العابرة للحدود، تتقدم دولة الإمارات العربية المتحدة كرائدٍ استثنائي يُعيد رسم معالم القوة في القرن الحادي والعشرين، مستندةً إلى أدواتٍ ناعمة ترتكز على الابتكار والتعاون الدولي.

وتأتي القمة العالمية للحكومات 2025، التي تستضيفها مدينة دبي من 11 إلى 13 فبراير تحت شعار «استشراف حكومات المستقبل»، كدليلٍ على هذا النهج الريادي. لكنها ليست مجرد مؤتمرٍ دوليٍ تقليدي، بل منصةٌ عالمية لإعادة تعريف الحوكمة من خلال رؤى تستند إلى الابتكار، واستراتيجيات تبني المستقبل على أسسٍ راسخة من التعاون الإنساني.

منذ إطلاقها عام 2013، بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تحولت القمة إلى منارةٍ دولية تعيد صياغة مفهوم الحوكمة الحديثة.

تستند القمة إلى ثلاثة مرتكزات أساسية: «القوة الناعمة» كإطار للحوار والتعاون، و«الابتكار»كوسيلة للتقدم، و«الرؤية الاستشرافية» كبوصلة للمستقبل. خلف هذا النموذج الاستثنائي، تقف قيادةٌ تدرك أن المستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع بإرادةٍ وعقلانيةٍ وتخطيطٍ استراتيجي.

إن الفلسفة التي تتجلى في القمة العالمية للحكومات ليست وليدة اللحظة، بل امتدادٌ لرؤيةٍ أسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤسس الدولة، الذي جعل من التعاون الدولي والاستثمار في الإنسان حجر الأساس لبناء الأمم.

ويترجم هذا النهج عملياً من خلال تصريحات معالي محمد بن عبد الله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس مؤسسة القمة العالمية للحكومات، والتي تسلط الضوء على زخم الحدث في نسخته لعام 2025، حيث أكثر من 4000 مشارك من كبار القادة والمسؤولين والخبراء، وأكثر من 200 جلسة تفاعلية، بحضور أكثر من 30 رئيس دولة وحكومة، وما يزيد على 400 وزير في أكبر تجمع وزاري عالمي، فضلاً عن مشاركة المنظمات الدولية ومئات الشركات العالمية الرائدة.

إن هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل انعكاسٌ لتحول دبي إلى مركز فكري عالمي يجذب العقول لوضع حلولٍ عملية للتحديات المعاصرة. إن نجاح القمة العالمية للحكومات يكمن في قدرتها على تجاوز حدود الجغرافيا والسياسة، لتشكل منصةً حيادية تتيح صياغة توافقاتٍ دولية حول قضايا العصر الأكثر إلحاحاً.

ويعكس هذا النهج الرؤية الاستباقية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حيث لا تكتفي الإمارات بدور الوسيط، بل تؤدي دوراً فاعلاً في تطوير الحلول للتحديات الكبرى، بدءاً من الفجوة الرقمية، مروراً بتغير المناخ، ووصولاً إلى استشراف مستقبل الاقتصاد العالمي. إن هذه الرؤية تُعيد تعريف دور الدول في القرن الحادي والعشرين، عبر تحويل التحديات إلى فرص والحديث عن السياسات إلى أفعالٍ ملموسة.

لا تقتصر القمة على الخطابات النظرية، بل تقدم حلولاً عمليةً من خلال مبادرات نوعية مثل إصدار 30 تقريراً استراتيجياً بالتعاون مع مراكز أبحاث عالمية، وإطلاق منصة المسح العالمي للوزراء التي تجمع رؤى صناع القرار حول قضايا دولية محورية.

كما يشكل الاجتماع العربي للقيادات الشابة أحد أبرز ملامح القمة، حيث يتيح دمج أصوات الشباب في رسم السياسات، في تأكيدٍ على أن الاستثمار في الإنسان يظل جوهر التنمية المستدامة. كذلك، تُمنح جوائز عالمية مثل «أفضل وزير»، و«أفضل تطبيق حكومي»، و«جائزة ابتكارات الحكومات الخلاقة»، وغيرها مما يرسخ ثقافة التميز في الحوكمة.

تؤكد القمة أن الابتكار لم يعد رفاهيةً أكاديمية، بل هو ضرورةٌ وجودية لتحسين حياة المجتمعات. ومن خلال التركيز على قضايا مثل الذكاء الاصطناعي، والاستدامة البيئية، والحوكمة الرقمية، والتعليم المستقبلي، تتحول القمة إلى مختبرٍ عالمي لاستشراف مستقبل الحكومات. وتكمن خصوصية هذا النموذج في قدرته على دمج الحكومات والشركات والمؤسسات الأكاديمية ضمن إطارٍ تكاملي يسهم في صنع مستقبلٍ أكثر ازدهاراً.

إن الإمارات، عبر القمة العالمية للحكومات، تؤكد موقعها كجسرٍ عالمي للحوار، حيث تتيح الفرصة للفاعلين الدوليين، بغض النظر عن اختلافاتهم السياسية، للجلوس على طاولةٍ واحدة. وهذا يُجسد استراتيجيتها في توظيف القوة الناعمة عبر الحياد الإيجابي، والاستثمار في المستقبل، والدبلوماسية الثقافية والعلمية. فالقوة ليست في فرض الهيمنة، بل في بناء شبكات التأثير وصياغة الحلول المستدامة.

أخيراً، إن القمة العالمية للحكومات انعكاسٌ لرؤية الإمارات التي تجمع بين إرث زايد الحكيم، وقيادة محمد بن زايد الاستراتيجية، وابتكار محمد بن راشد، لتقدم للعالم نموذجاً متكاملاً يجمع بين الاستدامة، والابتكار، والتعاون. وفي زمنٍ تطغى فيه النزعات الفردية، تذكّرنا الإمارات أن المستقبل يُبنى بالعقول المفتوحة، والقلوب المتعاونة، والسياسات التي تضع الإنسان في القلب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد