: آخر تحديث

جميل بن معمر عند عبدالملك

11
12
12

عبدالله خلف

حُكي عن جميل بن مَعْمر، أنه دخل على عبدالملك بن مروان، فقال له: يا جميل! حدثني ببعض أحاديث عُذرة، وهم أصحاب أدب وغزل... قال نعم يا أمير المؤمنين إن آل بثينة انتجعوا الحمى، وقطعوا بلداً آخر، فخرجتُ أُريدهم فضيّعتهم حتى جنّ عليّ الليل، ولاحت لي نار فقصدتها، وجئتُ على راعٍ في أصل جبل، وقد ألجأ غنمه إلى كهف، فسلَّمتُ فردّ عليّ السلام.

فقال: أحسبك قد ضللت الطريق؟ قلتُ: قد كان ذاك، فأرشِدْني إليه. قال: بل انزل حتى تُريحَ ظهرك، وإذا أصبحت وقفتك على الطريق. فنزلتُ فرحَّب بي وأكرمني... وعمد إلى شاةٍ فذبحها، وأجّج ناراً وجعل يشوي ويُلقي بين يدي. فلما جن الليل سمعته يبكي، ويشكو إلى شخص كان معه. وفي الصباح طلبتُ الإذن فأبى، وقال: الضيافة ثلاث، فأقمت عنده، وسألت عن اسمه وحاله فانتسب، فأخبرني أنه يهوى ابنة عم له وتهواهُ، وأنه خطبها إلى أبيها، فأبى أن يزوجها منه لقلة ذات يده، وأنه زوجها رجلاً من بني كلاب، فخرج بها عن الحي، وطلب أن يكون راعياً عنده ليكون على مرأى يراها وتراه، فقال:

ما بال ميّة لا تأتي كعادتها

أهاجها طرب أم صدها شُغلُ؟!

لو تعلمين الذي بي من فراقكم

لما اعتذرت، ولا طالت لك العَللُ

روحي فداؤك قد هيجت لي سقماً

تكادُ من حره الأعضاء تنفصلُ

لو أن غادية منه على جبل

لزال وانهدَّ عن أركانه الجبلُ

ثم قال: يا أخا بني عُذرة!.. ابق مكانك حتى أعود إليك، فإني أتوهم أن أمراً عرض لابنة عمي، ثم مضى حتى غاب عن بصري، فلم يلبث أن أقبل، وعلى يده شيء محمول، وقد علا شهيقه ونحيبه.

فقال: يا أخا بني عُذرة! هذه بنت عمي، أرادت أن تأتيني فاعترضها الأسد ونهشها فأكلها... ومضى حتى أيستُ من رجوعه، ثم أقبل ورأسُ الأسد على يده.

وقال منشداً:

ألا أيها الليث المُدِلُّ بنفسه

هُبلتَ لقد جرت يداك لنا حزُنا

وغادرتني فرداً، وقد كنتُ آنساً

وصيرت بطن الأرض ثمَّ لنا سِجنا

يا أخي!

إنك ستراني بين يديك ميتاً

وإذا متُّ فاعمد إليّ وإلى بنت عمي

فأدرجنا في كفن واحد واحفر لنا

جدثا واحداً وادفنا فيه

واكتب على القبر:

كنا على ظهرها، والدَّهرُ في مَهَلٍ

والعيش يجمعنا والدار والوطن

ففرَّقَ الدهرُ بالتشتيت أُلفتَنا

فاليوم يجمعنا في بطنها الكفنُ


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد