في كل المجالات تعد جائزة نوبل شرفاً رفيعاً لمن ينالها، إلا في الشرق الأوسط، فهي لعنة.
كان أول الحاصلين عليها -فيه- الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي قام بزيارته الدراماتيكية لإسرائيل، وألقى خطاباً أمام برلمانها (الكنيست)، ثم دخل في محادثات مباشرة مع رئيس وزرائها مناحيم بيغن، تحت رعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر.
أسفرت المحادثات عن توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، ما أنهى حروب الدول والجيوش النظامية، وفتح الباب أمام تطبيع العلاقات بين كثير من الدول العربية وإسرائيل.
ما فعله الرئيس السادات كان إلغاءً مدوياً للمُحرَّمات، وإخراجاً للصراع في المنطقة من دوامة حروب الجيوش، وخصوصاً على جبهات المواجهة، التي كانت تسمَّى «دول الطوق»، وكان الأردن هو الدولة الثانية التي حذت حذو مصر، ووقَّعت معاهدة سلام مع إسرائيل، ذلك بعد أن سبقها الفلسطينيون في توقيع اتفاقات وتفاهمات أوسلو في عام 1993.
المعاهدة المصرية الإسرائيلية صمدت حتى أيامنا هذه، رغم تعرضها لخروقات متفاوتة الحجم ذات طابع فردي، لم تؤثر على مجريات العلاقة السلمية بين أكبر دولة عربية وإسرائيل.
بعد حصوله على جائزة نوبل، وبينما كان يرتدي بزته العسكرية المزينة بالنياشين، ويستعرض تشكيلات الجيش المصري العملاق، تم اغتياله على يد جندي مصري، ومثلما كان أول زعيم عربي ينال جائزة نوبل للسلام، كان أول زعيم يقضي نحبه اغتيالاً والجائزة الرفيعة معلقة على صدره.
انتقل السادات إلى جوار ربه، وانتقل السلام الذي مُنحت الجائزة من أجله إلى حالة حرب أكثر شراسة من كل الحروب التي سبقت.
بعد عقود من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، تشجّعت قيادة الفلسطينيين على تغيير مسارها الثوري التحرري، من القتال إلى المفاوضات. وبعد فشل المحاولة الكبرى لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بفشل مؤتمر مدريد، فتح الفلسطينيون والإسرائيليون مساراً سرياً موازياً، أنجز اتفاقات وتفاهمات أوسلو.
وُصف ما حدث بأنه اختراقٌ تاريخي، أعمق دلالة حتى من اختراق السادات، وعلى أساسه بُني واقع فلسطيني إسرائيلي جديد تبناه العالم، ورعى مراحل تنفيذ تفاهماته واتفاقاته، وأنفق عليها بسخاء. وبمقتضاه تأسست سلطة فلسطينية على جزءٍ من المناطق المحتلة، وصفها الفلسطينيون بالوطنية، ووصفها الإسرائيليون بالحكم الذاتي المحدود.
كان شيمعون بيريس هو العرّاب الإسرائيلي لأوسلو، وكان محمود عباس هو المهندس الفلسطيني لها، وبفعل الحاجة لدعم وتشجيع أطرافها على مواصلة المحاولة «التاريخية»، مُنحت جائزة نوبل لصنّاعها من الجانبين: الإسرائيلي مناصفة بين إسحاق رابين صاحب القرار وشيمعون بيريس صاحب الجهد، إلا أن عرفات استبعد عبّاس عنها، لاعتبارات تتصل بالوضع الداخلي الفلسطيني.
الحائزون الثلاثة على الجائزة حلَّت عليهم لعنتها؛ إذ قُتل إسحاق رابين بما هو إعدام علني، وهو يغني للسلام في ميدان «ملوك إسرائيل» في تل أبيب، وقُتل شيمعون بيريس معنوياً؛ إذ لم يعد له أي نفوذ جدي حتى حين خلف رابين في موقع رئيس الوزراء، وقُتل ياسر عرفات مسموماً بعد ذلك، وبقيت الجائزة الرفيعة في أدراج المقتنيات، وتحوّل السلام إلى ما هو عليه الآن، بعيداً كسراب.
بعد تدمير غزة بالكامل، ومقتل أكثر من 60 ألف فلسطيني، وجرح أكثر من مائتي ألف، بحيث أجمع العالم على أن غزة لم تعد صالحة للعيش فيها، والضفة وقعت تحت خطر الضم والاستيطان، وحتى التهجير بأسمائه المتعددة، واتساع الدمار والانهيار في المنطقة بأسرها، قدّم الرئيس ترمب خطة استثمارية خيالية لتحويل غزة المدمرة إلى ريفييرا الشرق، ويُنقل عنه أنه يتطلع للحصول على جائزة نوبل للسلام، ليس فقط في الشرق الأوسط، وإنما في العالم كله، وقد يحصل عليها إذا ما حوَّلها أصحاب القرار في منحها إلى جائزة تشجيعية، كما حدث مع الرئيس أوباما، وعلى الأرجح لن يحصل عليها إذا كانت ستُمنح لمن يحقق سلاماً.