نكء سفارة فلسطين لدى الكويت جرح منظمة التحرير الغائر في وجدان وخاصرة الشعب الكويتي، دون إدراك الآثار النفسية للبلاغ الذي قدمته السفارة إلى وزارة الخارجية ضد النائب السابق صالح الملا، بشأن تغريدة له عن الرئيس محمود عباس وأحداث غزة. الصدمة (Trauma) الكويتية التي تسبب فيها موقف منظمة التحرير من الغزو العراقي نتيجة تخاذل رئيسها السابق ياسر عرفات، ورفاقه من قيادات أخرى، أثناء تلك المرحلة المعقدة، سياسياً ونفسياً، ما زالت حاضرة، لم تغب عن الذاكرة الكويتية، لكنها كما يبدو غابت عن الفطنة الفلسطينية! جاز التذكير في الاعتذار الذي قدمه رئيس المنظمة محمود عباس، مرغماً في العام 2004 للكويت، شعباً ونظاماً، بعد رفض الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد استقبال الأول في الكويت من دون تقديم "الاعتذار" عن "موقف المنظمة من الاحتلال العراقي لدولة الكويت". موقف منظمة التحرير، لا يقل ألمه وصدمته عن الغزو العراقي، وغدر المقبور صدام حسين، ولا يمكن اعتباره "سحابة صيف" في اللغة السياسية والنفسية، لكي تطويه ذاكرة التاريخ والبشر، فالصدمة (Trauma) تلازم ذاكرة الإنسان إلى ما لا نهاية، ذهنياً ونفسياً. الخلافات الفلسطينية الداخلية بين حركة "حماس"، ومنظمة التحرير، وحركة "فتح"، التي خرج من عباءتها المقبور ياسر عرفات، من رحم الكويت، لم تهدأ قبل، وبعد عملية الأقصى، وحتى اليوم، لكن السفارة الفلسطينية في العام 2025 لدى الكويت اختارت نكء الجرح الفلسطيني! القيادي الفلسطيني نبيل عمرو نشر مقالة له في صحيفة "الشرق الاوسط" الدولية في 11 يونيو 2020 بعنوان "المنظمة... إن لم يقتلها أهلها فلن يقتلها أحد". اتفق مع اعتراف نبيل عمرو بشأن "منظمة التحرير وأهلها"، ولا أتفق مع رأيه الذي تأخر سنوات، وهو الإنسان نفسه الذي أيد موقف عرفات أثناء الغزو العراقي، ابان فترة العمل كسفير للمنظمة لدى موسكو، وكنت أعمل، آنذاك، في العاصمة نفسها، وتصورت مخطئاً أن بيننا علاقة صداقة نقية، لكن الوجه القبيح خرج إلى نور الواقع مباشرة بعد الغزو بالمستوى نفسه من قبح موقف المنظمة، ورئيسها عرفات. هل نسيت شخصياً هذا الموقف؟ قطعا لا. فالتناقض، والانتهازية أكرههما، ولا أطيق من يحاول النكران، أو ينصح بعدم نكء الجروح. فهمي المتواضع لرأي نبيل عمرو أن المقصود في "أهل القضية"، هي منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الأخرى، والخلافات الفلسطينية الداخلية، دون استثناء قيادة منظمة التحرير ورئيسها، ربما! نقد قاس لرئيس المنظمة محمود عباس، تتناقله وسائل الإعلام الغربية عن تفاصيل شخصية دقيقة، وثرواته المالية، وتناقضاته السياسية، لكن الإعلام في الغرب له حريات تحميها قوانين جزائية مرهقة على الشاكي، قانونياً وسياسياً وإعلامياً، خصوصا إذا كان الشاكي سفارة منظمة التحرير، وبهذا الوقت السياسي الحرج للغاية. جدلاً، هل السفير الفلسطيني لدى الكويت مستعد للتعامل مع دعاوى قانونية كويتية تتعلق بالصدمات النفسية، وآثارها على المجتمع الكويتي التي تسببت فيها منظمة التحرير اثناء الغزو العراقي؟ الشعب الكويتي أولى في تقديم البلاغات ضد منظمة التحرير وسفارتها لدى الكويت، لكن رجاحة العقل السياسي والحكمة الثقافية حالتا دون ذلك. السفير الفلسطيني لدى الكويت غاب عنه كما يبدو حجم الضرر النفسي للشعب الكويتي وآلامه نتيجة موقف منظمة التحرير من الغزو، وكذلك وزارة الخارجية التي نقلت الشكوى الفلسطينية دون المناقشة بصوت عال مع السفير الفلسطيني لدى الكويت في آثار الصدمة( Trauma) الكويتية التي لا تزول مع الزمن، حفاظاً على العلاقات بين الشعبين. أحد أمراء الكويت الراحلين، قال إن "الألم" عليه من موقف منظمة التحرير، تجاه الغزو أشد من غزو صدام. جاز تذكير السفير الفلسطيني في كواليس، ربما غائبة عنه، أو تهاونت السفارة في استحضارها! التساؤلات التي تلزمنا توجيهها هنا: هل من صالح العلاقات الديبلوماسية الكويتية - الفلسطينية بهذا الوقت السياسي الحرج أن تتعقد العلاقة مع عناصر وطنية كويتية، كالأخ النائب السابق صالح الملا، الذي تقاسم بحماسة شديدة ثقل المسؤولية القومية، وتداعيات الخلافات الفلسطينية حول القضية العربية؟ "نحن نسامح ولا ننسى"، مقولة لنيلسون مانديلا، هل يهضمها السفير الفلسطيني لدى الكويت في حال تبنتها تجمعات كويتية، والدواوين، بهدف تذكير غير ديبلوماسي للسفارة الفلسطينية لدى الكويت؟ مناقشتي ليست للتأثير على القضية التي سيبتُ فيها نزاهة القضاء الكويتي، انما لتقاسم ألم نكء الجرح الفلسطيني، وآثار الصدمة النفسية على الشعب الكويتي. لعل السفارة الفلسطينية تستوعب الدروس، ولا تقحم الشعب الكويتي في خلافات فلسطينية داخلية، لكي تركز منظمة التحرير على الأولويات السياسية في الساحة الدولية.
ديبلوماسية نكء الجرح الفلسطيني!
مواضيع ذات صلة