: آخر تحديث

أمن السيد الرئيس

14
9
9

علي عبيد الهاملي

في كتابه «مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان»، يستفيض الأستاذ محمد حسنين هيكل في الحديث عن أمن الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، ويتطرق إلى دور وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في وضع خطة أمن رآها «ضرورية للرجل المقبل على مخاطر تحوّلٍ أساسي في اتجاه مصر بعد حرب السادس من أكتوبر 1973م، وللاستراتيجية الجديدة التي تحمل مسؤولية سياستها» وفقاً لما جاء في الكتاب.

ويذكر الأستاذ هيكل أن كيسنجر جاء إلى مصر يوم 12 يناير 1974م، والتقى الرئيس السادات في استراحة الرئاسة وراء خزان أسوان القديم، وعرض عليه خطة أمن وتأمين يتم تنفيذها على ثلاثة محاور، ثم يسهب في شرح تفاصيلها وذكر الرسائل التي تم تبادلها بعد ذلك بين الرئيس السادات وكيسنجر.

ووفود خبراء الأمن الأمريكية التي تقاطرت على مصر، وظل بعضها مدة سنتين، ليخلص في النهاية إلى القول: «ومرت قرابة عشر سنوات، وتوالت أحداث، وطرأت متغيرات، ولكن المقادير ضربت ضربتها يوم 6 أكتوبر 1981، ووقع اغتيال الرئيس السادات على منصة العرض العسكري، وبواسطة ضابط في القوات المسلحة، بيده مدفع رشاش من صنع روسي، وفي جيبه مسدس من صنع أمريكي!!

يتحول الأستاذ هيكل بعد ذلك للحديث عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، فيقول إنه خطا من المنصة إلى القصر الجمهوري، ويذكر أن أول اجتماع حضره بعد توليه مسؤولية الرئاسة كان لمسؤولي الأمن والتأمين، وبدأه بأن «إجراءات الأمن والتأمين التي اتخذت لحماية سلفه لم تثبت كفاءتها، بدليل نجاح خطة الاغتيال التي كان هو شاهداً عليها، وأفْلَتَ بمعجزة أن يكون إحدى ضحاياها!!».

وفي اجتماعات توالت بعد ذلك مخصصة لبحث أمن وتأمين شخص الرئيس، تولى مبارك بنفسه وبتجربته الخاصة إضافة إجراءات أوسع وأبعد، أسهب الأستاذ هيكل في ذكر تفاصيلها كعادته في الاهتمام بالتفاصيل وإيراد الشهادات الموثقة، حتى وصل إلى أحداث الميدان التي أخرجت الرئيس مبارك من الحكم بشكل مختلف عن أحداث المنصة التي أنهت حياة سلفه الرئيس السادات.

تذكرت وأنا أقرأ هذا الجزء من الكتاب إجراءات الأمن التي كانت تتخذها فرق حماية بعض الرؤساء العرب إبان الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وتذكرت ما شاهدته شخصياً في أحد مؤتمرات القمة العربية التي عقدت في إحدى دول المغرب العربي إبان الثمانينيات من القرن الماضي.

عندما كنا نقف في مطار البلد المضيف ننتظر وصول طائرة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لتغطية مراسم الوصول على الهواء مباشرة، حيث هبطت طائرة عليها علم الجمهورية العراقية، فظننا أن الرئيس الأسبق صدام حسين سوف يخرج من الطائرة، لكننا فوجئنا بنزول فرقة عسكرية قامت بالانتشار في ساحة المطار.

حيث ستحط طائرة الرئيس العراقي، رغم وجود حرس الدولة المضيفة في المطار، لتهبط بعد ذلك طائرة الرئيس صدام حسين وتبدأ مراسم الاستقبال، وقد رأيت بعيني كيف قام أحد طواقم حراسة صدام بإزاحة أحد أفراد حرس الدولة المضيفة كي يأخذ مكانه أسفل سلم طائرة الرئيس. ورغم كل إجراءات الأمن هذه وغيرها، فقد كانت نهاية صدام مأساوية كما رآها العالم أجمع.

تذكرت أيضاً، عندما كنا نغطي مؤتمرات القمة العربية التي كان يشارك فيها المغفور له الشيخ زايد وقادة دول الخليج، عليهم رحمة الله جميعاً، كيف كان هؤلاء القادة يدخلون قاعات الاجتماعات دون حراسة مبالغ فيها، وكيف كان بعض الرؤساء العرب يدخلونها محاطين بحرسهم المدجج بالسلاح، ومنهم العقيد معمر القذافي الذي كان يدخل محاطاً بحارسات أمنه المسلحات بشكل لافت، ورأينا جميعاً كيف كانت نهاية العقيد القذافي مأساوية.

ما قرأته في هذا الجزء من كتاب الأستاذ هيكل، جعلني أتذكر المشاهد التي نراها لقادتنا وحكامنا وهم يتجولون في المراكز التجارية والأماكن العامة دون حراس ولا إجراءات أمن مشددة، وكيف نصادفهم يتناولون الطعام أحياناً في بعض المطاعم مع أبنائهم وبعض ضيوفهم.

ويحدث الشيء نفسه عندما يكونون خارج الدولة أيضاً، وكيف يشاركون في أعراس المواطنين ويحضرون مجالس عزائهم، الأمر الذي يؤكد أن مصدر الأمن والأمان ليس كثرة الحُرّاس، ولا السلاح الذي يحملونه، ولا إجراءات الأمن المشددة، وإنما هو محبة الناس، والقرب منهم، والإحساس بالانتماء الحقيقي والصادق إليهم.كاتب وإعلامي إماراتي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد