يوسف أبو لوز
.. كانت جماعة الحيرة في الشارقة في النصف الأول من القرن العشرين جماعة أدب، ولكنها في الوقت نفسه كانت مجموعة قرّاء في الشعر والنثر العربي والتراث والتاريخ وفقه اللغة والبلاغة، وكان بعض رجالات الحيرة على اتصال ثقافي وشخصي مع أقرانهم من أعلام الأدب والفكر في العراق ومصر وبلاد الشام، وبذلك، كانوا على معرفة بمجلات تلك الحقبة العربية الثقافية، والبعض منهم نشر مبكراً في تلك المجلّات، غير أن القراءة في الأدب والفكر واللغة والتاريخ كانت أساسات تكوينهم الثقافي الماثل في الذاكرة الإماراتية إلى اليوم.
بعض تجار الإمارات إن لم يكن كلّهم، كانوا أيضاً رجالات علم وأدب، كانوا على اتصال بالحياة الثقافية في الهند، وفي البلاد هنا، أسسوا مدارس، وأسهموا في تأسيس أطر مبكرة للعلم والقراءة والتثقيف، وبعض أعلام الشعر كانوا خطّاطين ومطاوعة يعلّمون القرآن واللغة في مدارس بسيطة كان الطلبة فيها يجلسون على الحصر ويتعلمون على ألواح القراءة.
كانت ختمة القرآن الكريم مناسبة أشبه بالعيد، ويجري الاحتفال بمن يختم القرآن كما لو أنه تخرّج في الجامعة. المرأة في الإمارات كانت مطوّعة، وكانت قارئة، وذكر لي الصديق الشاعر الإماراتي عبدالعزيز جاسم أن المرأة كانت قادرة على قصّ الأثر، ولا بدّ أن مثل هذه المهارة الدقيقة إنما تحتاج إلى سيدة متعلّمة تقرأ هي الأخرى.
لديّ الجزء الثاني من كتاب (رواة في الذاكرة) الصادر عن معهد الشارقة للتراث وفيه معلومات تتصل بحياة وثقافة ومهن 44 راوياً وراوية من ذلك الزمن الثقافي التأسيسي أو الريادي في الإمارات، وأغلبية هذا العدد من النساء، بعضهنّ كنّ عارفات في الطب الشعبي وبعض مهن البحر، والكثير منهن يعرفن القراءة والكتابة.
جيل ما قبل قيام دولة الاتحاد كان يقرأ في حدود ما هو متاح له من إمكانيات ووسائل تعليم، واللّافت هنا، أن القراءة كانت امتيازاً اجتماعياً للرجل والمرأة، والمتعلم يحظى دائماً بتقدير مجتمعي رفيع، وبعد قيام الدولة وتأسيس التعليم النظامي الرّاقي، سواء في المدارس أو في الجامعات، أصبحت القراءة نافذة على العالم والحياة والحضارات، ثم بعد ذلك تكوّنت في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات المؤسسات والدوائر الثقافية ذات الفرق الإدارية العاملة من أبناء وبنات الدولة، ووضعت هذه الدوائر والمؤسسات منذ تأسيسها الأولوية للقراءة، وبذلك، دخلت ثقافة القراءة في الإمارات مرحلة جديدة، وظل مؤشر التعليم والثقافة والقراءة إلى تصاعد ملحوظ من عقد زمني إلى آخر، واليوم، نشهد بأمّ العين ذروة هذا التصاعد عبر النموّ المجتمعي المحلي في توجهه إلى القراءة من الطفل إلى الشاب إلى الكهل.
للقراءة في الإمارات تاريخ ومراحل، وهي ظاهرة محلية بآفاق إماراتية، وعربية، وعالمية.