يطيب للمستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، بعد أن غادرت موقعها، أن تجلس في بيتها تُقشر البطاطا تحضيراً لطبخها، ومشاهدة المسلسلات البوليسية. هذا على الأقل ما تخيّله نائب المستشار الحالي روبرت هابيك الذي ينتمي إلى حزب الخضر وأحد منافسي ميركل السابقين، وهو لم يقل ذلك من باب التندر أو السخرية، وإنما من باب الإشادة بتواضعها، وميلها للبعد عن الأضواء، حين اختارت طواعية أن لا تعيد ترشيح نفسها لمنصب المستشارية بعد 16 عاماً قضتها فيه ( 2005- 2021)، فاعتزلت السياسة، حتى يقال إنها أول رئيس حكومة يترك منصبه طواعية في ألمانيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
بعد عامين ونصف العام على مغادرتها موقعها، فإن أكثر من 60 في المئة من الألمان يرون أن الوضع في بلادهم قد ساء كثيراً بعدها، ملقين اللوم على الحكومة الحالية التي تولت الزمام عام 2021 وتتكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسارالوسط)، وحزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، واصفين أداء هذه الحكومة بالسيئ، وفق استطلاع للرأي أجري بمناسبة بلوغ ميركل عامها السبعين في السابع عشر من الشهر الجاري.
بمناسبة عيد ميلادها أشاد الرئيس الألماني فرانك شتاينماير، الذي كان وزيراً للخارجية في حقبتها، بميركل واصفاً إياها بأنها «نموذج يحتذى وعلامة مميزة في ديمقراطيتنا». ليس الرئيس وحده من أشاد بها. خصومها السياسيون أيضاً أشادوا بقدرة ميركل على تجاوز أزمات كبيرة مثل أزمة اليورو، والأزمة المالية العالمية، وجائحة «كورونا»، على الرغم من مآخذهم على بعض جوانب سياساتها، خاصة تلك المتصلة بمرونتها في ملف الهجرة الجماعية، وأيضاً المرونة التي أظهرتها في التعامل مع الرئيس الروسي بوتين.
ولدت ميركل ونشأت في الشرق الألماني الذي كان يعرف بجمهورية ألمانيا الديمقراطية. عملت باحثة في الفيزياء، ودخلت السياسة متأخرة، فكان صعودها فيها سريعاً وكبيراً. بدأت عملها نائبة للمتحدثة الصحفية باسم آخر رئيس وزراء لجمهورية ألمانيا الديمقراطية، قبل أن تتولى وزارة الأسرة والشباب بين عامي 1991 و1994 ومن ثم وزارة البيئة بين عامي 1994 و1998. وبعد ذلك تقلدت عدة مهام في الحزب المسيحي الديمقراطي لتختم مسيرتها السياسية بمنصب المستشارة.
باستثناء لقاءات نادرة مع رجال ساسة بينهم الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، الذي التقته في أحد مطاعم برلين، آثرت ميركل البعد عن الأضواء بعد تقاعدها، حتى أنها لم تحضر مؤتمرات حزبها الأخيرة، وتفيد وسائل إعلام بأنها منكبّة على كتابة مذكراتها التي يتوقع صدورها هذا العام، وستكون محطّ اهتمام واسع، بالنظر إلى طول المدة التي قادت فيها ميركل ألمانيا، وأهمية القضايا التي كان عليها التعامل معها، سواء على الصعيد الداخلي في ألمانيا، أو على المستويين الأوروبي والدولي.