حتى بدون الرصاصة التي خدشت أذن دونالد ترامب، كان اختياره مرشحاً للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة محسوماً، لكن تلك الرصاصة أضافت إلى رصيده الكبير رصيداً، وبدا في مؤتمر الحزب الجمهوري الأخير بطلاً متوّجاً في أعين أعضاء ومناصري حزبه، ما زاد، وبنسبة كبيرة، ترجيحات فوزه في السباق الرئاسي الوشيك، خاصة إذا أخفق الديمقراطيون في حمل رئيسهم جو بايدن على عدم الترشح ثانية، بل إن المحللين يرون أنه حتى في حال استبدال بايدن بمرشحٍ ديمقراطي آخر، فإن ما تبقى من وقت لن يمكنه من خوض حملة انتخابية كفيلة بهزيمة ترامب، الذي تكاد تجمع التوقعات، المبنية على وقائع ملموسة، على أنه عائد إلى البيت الأبيض.
توقعات محبطة ليس للحزب الديمقراطي في أمريكا وحده، وإنما لزعماء أوروبيين آخرين، يمنون النفس بأن يبقى بايدن، أو من هو على شاكلته، في البيت البيضاوي. أوروبا جرّبت ترامب عندما كان رئيساً، ولا تنسى «الدروس» التي لقنها إياها فترة رئاسته السابقة، ويعلم أبرز زعماء بلدان أوروبا: الفرنسي مانويل ماكرون والمستشار الألماني شميث ومن على هواهما من رؤساء الحكومات الأوروبية، أن ترامب في نسخته الجديدة لن يختلف عنه في نسخته القديمة، خاصة بعد اختياره نائباً له السناتور جيه دي فانس، الذي يصغره بأكثر من أربعين عاماً، ومعروف بتبنيه الخطاب الترامبي، فهو يعارض المساعدات العسكرية لأوكرانيا ويحذر أوروبا من الاعتماد على الولايات المتحدة، منسجماً مع دعوة ترامب بعدم حماية الدول التي لا تلتزم بأهداف الإنفاق الدفاعي في حلف شمال الأطلسي، بل وتشجيع روسيا على مهاجمة هذه الدول.
أوروبا الفزعة من عودة ترامب بدأت تعيد النظر في اندفاعاتها المتهوّرة، في العلاقة مع الحرب في أوكرانيا، وها هو أول الغيث يأتي من ألمانيا بالذات، التي أظهر مستشارها تهوّراً في التعامل مع الملف الأوكراني، لم نعهده لدى سلفه المستشارة السابقة ميركل. أول الغيث هذا تمثل في إعلان برلين عن خفض مساعداتها العسكرية لأوكرانيا إلى النصف، فوفقاً لمسودة ميزانية عام 2025، ستقلل ألمانيا مساعداتها من حوالي 8 مليارات يورو في 2024 إلى 4 مليارات يورو، بذريعة التعويل على اعتماد كييف بشكل أكبر على القروض المقدمة من عائدات الأصول الروسية المجمدة التي اتفقت عليها مجموعة الدول الصناعية السبع. وكانت ألمانيا بالذات هدفاً للنقد بسبب تكرار تخلفها عن تحقيق هدف حلف شمال الأطلسي في إنفاق اثنين في المئة من ناتجها الاقتصادي على الدفاع.
ثمّة مستجد نوعي حاسم لم يكن قائماً فترة ولاية ترامب الأولى، هو ما يحققه «اليمين الشعبوي» من نجاحات في ما يمكن وصفه بالتجليات الأوروبية للترامبية، التي لم تعد أمريكية فقط.