كيف كان ردّ فعلك، عندما دعا القلم إلى ابتكار نحوٍ جديد؟ قد تختلف المواقف، هذا يرى الطرح دعابةً، وذاك يبدو له هزلاً في موضع الجدّ، وذلك يتركه لعلماء اللغة، طبقاً للتقسيم التقليدي: العامّة، الخاصّة وخاصّة الخاصّة.
قد يكون الجميع على صواب، ولا عيب سوى بقاء العرب، بمنأى عن مشكلات لغتهم جيلاً فجيلاً، بينما المسؤولون عن علاج الأدواء لا يحرّكون ساكناً، والمناهج لا تستطيع الاستيلاء على صلاحيات المجامع اللغوية، فهذه هي السلطة التشريعية اللغوية، تقول: ألا تعلمون أن علوم العربية نشأت في الأساس حفاظاً على القرآن الكريم؟
لا يحتاج القلم إلى تكرار دواعي قيام العلوم اللغوية التي جعلت العربية تحظى بنحو وصرف وبلاغة لا نظير لها، فكانت المحصّلة اندماج مجرّتي النحو والبلاغة، حتى في المؤلفات الحديثة، مثل الكتاب الموسوعي، «معاني النحو» للعلّامة فاضل السامرّائي. فك هذا الاشتباك العائد إلى اثني عشر قرناً، ضرورة ملحّة في كتب تدريس العربية. النحو العربي قائم في الكثير من قواعده على الشواهد الشعرية. على علماء اللغة أن يدرسوا هذه الظاهرة التوثيقية في القواعد، فالشعر العربي هو أقدم أرشيف للبلاغة في تاريخ العرب، فهل يجوز استنباط القواعد النحوية من البلاغة وفنونها؟
ما نتمنّاه، هو أن تصطفي المجامع اللغوية نخبةً من اللغويين التجديديين، ذوي «الرؤوس الحامية»، الذين يحملون مورّثات ابن مضاء القرطبي، لتصفية قواعد النحو من البلاغة، ستبقى في الحصيلة نسبة لا تتجاوز 40%، وهذا في حدّ ذاته كثير. سيكتشف هؤلاء أن شواهد النحو في الكتب المدرسية، في البلاد العربية، من بينها أعداد هائلة لم يعد لها وجود في العربية المستخدمة اليوم. ومنها ما يثير الدهشة، وربما الضحك، إذا قاس أحد عليه بمفردات علمية أو تقانية. لا يُعقل يا أستاذ أن تُدرّس فتيان الإعدادية والثانوية، قواعد النحو، وهم في عصر الحاسوب والشبكة والرقمي والفضاء وفيزياء الكمّ، بشواهد من شعر الجاهلية، صيغها وتراكيبها وظروف زمانها وبيئتها في نظرهم ألغاز وطلاسم.
هل جرّبَتْ أنظمة التعليم العربية إجراء تحقيقات ميدانية، تستطلع فيها آراء الدارسين، في شأن النحو وقواعده؟ سؤال بسيط: ما هي الصعوبات التي تواجهونها في كتابة لغتكم ونطقها من غير أخطاء؟
لزوم ما يلزم: النتيجة اليقينيّة: عليكم بإجراء الاستطلاعات، واطمئنوا إلى أن الطلاب لم ينشأوا على تربية العقل الناقد، فلن يقولوا إن المناهج العربية هي التي لا تحسن تدريس لغتها.