السعودية ليست فنلندا ولا السويد، ودرجات الحرارة في مكة والمشاعر المقدسة تصل إلى ما يزيد على 50 درجة مئوية، وعلى القادمين إليها التعامل مع هذه الظروف المناخية القاسية خاصة في فصل الصيف كما هو الحال اليوم، السعودية القائمة على خدمة الحجيج لا تستطيع تغيير المناخ، وتهيئ الظروف للتخفيف من قسوته، لكنها تتوقع أيضاً أن يتبع الجميع تعليماتها لضمان سلامتهم.
توظيف الشعيرة المقدسة في الخصومة والمكايدات السياسية ليس غريباً على كثير من خصوم المملكة وعلى رأسهم الإخوان المسلمين، الذين لطالما صنعوا وفخخوا الكثير من القضايا من أجل تحقيق أهدافهم في إيذاء المملكة وتشويهها، كانوا يتوقعون أن تسييس شعيرة الحج يحولها إلى كرة ثلج إعلامية وشعبية في العالم الإسلامي تتدحرج حتى تحقق أهدافهم في إيذاء القيادة السعودية، وتشويه سمعة الحج، وللتذكير فقط، فالسعودية ومنذ المؤسس الملك عبدالعزيز وحتى اليوم تتعرض سنوياً لحملات تشويه متعددة ومن أطراف مختلفة للتشويش على الحج سعياً لأهداف أوسع.
بالطبع هم لا يقيمون للأرواح المعصومة التي حرّم الله المساس بها أي تقدير، ولا يعنيهم أن تزهق أرواح الآلاف، بل الملايين من المسلمين إذا كان ذلك يحقق مصالحهم الحزبية الضيقة.
تذكر صحفية أردنية في منشور لها على منصة ( X ) عن قيام جمعيات تابعة لتنظيم الإخوان في المملكة الأردنية بتسهيل حصول آلاف الفقراء خاصة من كبيرات وكبار السن على تأشيرات زيارة للمملكة العربية السعودية مع ضمان أن التأشيرة تسمح لهم بالحج، ما حصل في الأردن حصل مع الزوار المصريين الذين وقعوا في الخطأ القانوني نفسه، وهو محاولة استخدام تأشيرة الزيارة مع البقاء في الديار المقدسة إلى الحج، ومن ثم أداء الفريضة بلا تصريح حج.
لم يكن هدف تنظيم الإخوان المسلمين الدولي مشاركة الفقراء وكبار السن الأجر، بل كان استغلالاً للمحرومين والفقراء في تنفيذ أجندة سياسية، لقد دفع التنظيم أولئك الزوار -غير النظاميين كما قالت سلطات بلادهم نفسها- للبقاء ومخالفة الأنظمة دون حملات حج تخدمهم، ما أدى إلى وفيات لحقت بهم.
تقدر الأرقام التقديرية المبدئية عدد المتخلفين عن مغادرة السعودية نظراً لانتهاء تأشيراتهم بما يزيد على نصف مليون مخالف.
الجهات الرسمية السعودية بادرت مبكراً كما كل عام في الطلب من كل المتخلفين مغادرة أراضيها وإعفائهم من أية عقوبات يفرضها كسر التأشيرة، نجحت جهات تنفيذ القانون في ترحيل ما لا يقل عن 300 ألف مخالف، ومع ذلك بقي الآلاف الذين اختبأوا خارج مكة خاصة في الضواحي النائية دون أموال ولا مواصلات، على أمل الدخول يوم عرفة ومن ثم الحج.
في العادة يقوم هؤلاء الحجاج في حال نجحوا في الدخول إلى عرفة ومنى بالافتراش في الطرقات وعلى الأرصفة معيقين الحركة، ومتعرضين للأمراض والحرارة العالية التي تؤدي إلى الوفاة، كذلك يعتمدون في معيشتهم على المبرات الخيرية، أو الدخول عنوة للمخيمات النظامية، وهو ما يضغط على الخدمات من إعاشة وسكن، ويحدث إشكالات مع الحجاج النظاميين الذين يريدون الحصول على خدماتهم.
التصعيد الإخواني على المنصات كافة جاء مبكراً وقبل الحج بشهر، على شكل بيانات صادرة عن مجموعات من كوادر الإخوان الذين دعوا المخالفين لعدم الالتزام بتصاريح الحج.
ولأنهم كانوا في حاجة لفتوى تدعم تحريضهم حتى ولو خالفت الشرع، ولو أدت إلى هدر الدماء المعصومة، أسعفهم القيادي في التنظيم الدولي محمد الحسن الددو، الذي طالب المخالفين لتعليمات الحج بعدم الاستجابة للتنظيمات، بل ورفض تصاريح الحج، ودعا إلى الذهاب بلا استعداد بدني أو مالي، الفتوى المخالفة للمنطق والعقل جاءت أيضاً مصادمة للآية الكريمة التي تفرض الاستطاعة المالية والبدنية على من ينوي الحج، وكذلك توفيره ما يساعد في الوصول إلى الأراضي المقدسة من تأشيرات أو تنظيمات.
فتوى «الددو» جاءت بعدما تم تحضير الجو العدائي للمملكة، وضخ مئات الآلاف من المنشورات والتصريحات وإعادة تدوير الأخبار عبر منصات التواصل تحرض على السعودية وتشكك في قدرتها على تنظيم الحج.
وزارة الحج السعودية التي كانت تحضّر للموسم، أصدرت قبل شهر تحذيرات بأن حرارة الجو في مكة والمشاعر قد تصل لسبعين درجة مئوية، وهي درجات غير مسبوقة وتؤدي بلا شك إلى الوفاة المباشرة في حال عدم اتقائها وتلافي السير تحت أشعة الشمس المباشرة، وهو ما حصل لبعض الحجاج من كبار السن الذين تلقوا ضربات شمس مميتة.
كانت الدعوات التي تطلقها المكنة الإعلامية للإخوان تطالب بعدم ترحيل المخالفين وتحرض ضد السعودية وتشوه عمليات إخراجهم. السؤال الكبير ماذا لو أن نصف المليون متخلف وصلوا بالفعل إلى عرفات ومنى، ماذا كان سيحصل، بلا شك هذا كان هو المخطط، الذي فشل بسبب وعي الأجهزة الحكومية التي استطاعت تسهيل حج نحو مليون وثمانمائة ألف حاج دون ارتباك أو نقص في الخدمات.