ذكرت في مقال الأحد الماضي أن كولومبوس كان أسبانياً، والحقيقة أنه إيطالي المولد، أسباني الولاء.
ينسب لكولومبوس اكتشاف الأمريكتين، قبل 5 قرون، عندما أبحر من أسبانيا باتجاه الغرب نحو آسيا.
ولد كريستوفر عام 1451، في جنوا الإيطالية، وبدأ الإبحار في سن الـ14 عاملاً على سفينة تجارية، وفي عام 1473 كان في خدمة تجار جنوا، وركب السفن المستخدمة في الحركة التجارية البحرية الكبيرة، وتعلم القراءة في البرتغال، ودرس الرياضيات والفلك وعلم الملاحة والخرائط فيها، واستقر في مدينة لشبونة مركز المشاريع البحرية الأوروبية آنذاك.
نمت رغبة كولومبوس في الوصول إلى جزر الهند عبر المحيط الأطلسي بشكل كبير، ويرجع السبب لعوامل عدة، منها رؤيته للخرائط الجغرافية التي أنتجها شقيقه، والقصص التي وصلت إلى السواحل البرتغالية، واكتشافات القطع الأثرية قبالة جزر المحيط الأطلسي. وكان يهدف للوصول إلى شرقي آسيا بالإبحار غرباً، وقرر خوض المغامرة معتمداً على أحدث خرائط علماء عصره، مثل الإيطالي باولو توسكاني (1397 ــ 1492)، والألماني مارتين بهايم (1459 ــ 1507)، المتخصصين في الرياضيات والفلك.
قدّم كولومبوس في عام 1484 اقتراحه إلى ملك البرتغال يوحنا الثاني، فرفض تمويل رحلته الاستكشافية، ثم توجّه بطلبه إلى ملوك أسبانيا الكاثوليك، وبعد سنوات من المحاولات الفاشلة، وافقت الملكة إيزابيلا، والملك فرديناند، رسمياً في 17 أبريل 1492 على تقديم الدعم لمقترحه، مع التأكيد على أهدافه التجارية، أي اكتشاف طريق بحري أقصر وأقل تكلفة لاستغلال الأسواق الغنية في الصين واليابان.
أبحر كولومبوس فجر 3 أغسطس 1492 من أسبانيا، بثلاث سفن، عبر المحيط الأطلسي، ووصل الجزر الكاريبية بعد شهرين، فيما كان اكتشافه لأرض القارة الأمريكية الشمالية في رحلته الثانية عام 1498، وبعد هذه الرحلة تعرّض للسجن، إذ اتهم بممارسة العنف بحق السكان الأصليين، ثم أفرج عنه ليخوض رحلته الأخيرة عام 1502، ويكتشف خلالها العديد من الجزر الجديدة.
يشير بعض المؤرخين إلى أن كولومبوس توفي، وهو يظن أنه وصل جزر الهند، ومع أنه قضى 10 سنوات في السعي للحصول على من يدعم فكرته هذه، فإنه لم ينفذها، فقد كانت تقف في طريقه قارة شاسعة لم يكن يعرف بوجودها، ولم يعلم أنه «اكتشف» الأمريكتين بالصدفة.
لكن المستكشف الإيطالي، أمريكو فسبوتشي، أدرك لاحقاً أن هذه الأراضي الشاسعة قارة جديدة، وليست آسيا، لهذا تمت تسمية «العالم الجديد» لأول مرة في خريطة مارتن فالدسميلر عام 1507 بـ«أمريكا» تكريماً لهذا المستكشف الإيطالي.
عندما عاد كولومبوس إلى أسبانيا من رحلته الأخيرة في 1504، كان يبلغ الـ53، وكان في حالة صحية سيئة، وقضى الأشهر الأخيرة من حياته في حزن وحالة ذهنية مضطربة، وتوفي بعدها بعامين في «بلد الوليد» بأسبانيا، ودفن في دير كارثوسيان في «سانتا ماريا دي لاس كويفاس» بإشبيلية.
* * *
ورد في كتاب «الناس أجناس»، للأديب اللبناني سلام الراسي، أن مدينة شيكاغو الأمريكية، أقامت عام 1893 معرضاً لتكريم ذكرى الرحالة كولومبوس، بمناسبة مرور أربعمئة عام على اكتشاف أمريكا. وطُلب وقتها من الشعراء أن يكتبوا شعراً في جميع اللغات احتفاء بالمناسبة، لينقش على حجر قاعدة تمثاله، وكان بيتا الشعر التاليان للبناني عبدالله البستاني من بين ما تم اختياره:
لو كنت أقدر أن أعاقب أبحراً قاسى بها كولومبوس الأهوالا
لنزعت منها درها وجعلته فوق الضريح لمجده تمثالا
بالبحث لم أجد ما يؤيد صحة هذه الرواية، لكنها جميلة وجديرة بالذكر. فأجمل الشعر.. أكذبه!