كانت حادثة مخجلة تلك الذي حدثت بالجزائر قبل أيام. فريق نهضة البركان المغربي لكرة القدم يصل إلى مطار العاصمة الجزائر لملاقاة نظيره اتحاد العاصمة في مباراة ما قبل النهائي لبطولة الاتحاد الأفريقي. السلطات الجزائرية صادرت قمصان الفريق المغربي، لأن صدر القميص يحتوي على خريطة المملكة المغربية شاملة الصحراء المغربية! الاتحاد الأفريقي لكرة القدم استهجن التصرف الأرعن وأعلن فوز نهضة بركان وانتقاله إلى المرحلة التي تليها.
هذا التصرف لا يليق بالجزائر العزيزة على كل عربي، وهو حلقة في سلسلة من التصرفات التصعيدية التي تقوم بها الجزائر بشكل منهجي ضد جارتها وشقيقتها المملكة المغربية، فقبل منع ملابس اللاعبين، كانت الجزائر منعت الإعلاميين المغاربة من تغطية القمة العربية التي عقدت هناك عام 2022 وصادرت معداتهم وأجهزتهم في مطار هواري بومدين، ثم قطعت العلاقات مع المغرب ومنعت الطيران المغربي من المرور عبر الأجواء الجزائرية الشاسعة، وسحبت سفيرها من إسبانيا احتجاجاً على اعتراف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بمغربية الصحراء المغربية قبل عامين، ثم منعت عبور الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر الأراضي المغربية، ومدته مباشرة إلى أوروبا عبر فرنسا المستعمرة السابقة التي قتلت مليون جزائري ناضلوا من أجل استقلال بلادهم وحريتها.
إخوتنا بالمغرب ليسوا ملائكة في سياساتهم، لكنهم - والحق يقال - أكثر ضبطاً للنفس وطول البال من إخوتنا بالجزائر وخصوصاً تجاه الصحراء المغربية التي يعرف القاصي والداني مغربيتها منذ تحريرها على يد الملك الراحل الحسن الثاني عام 1975 بالمسيرة السلمية الخضراء. وقدم المغرب المبادرة تلو المبادرة للانتهاء من "المطالب الجزائرية" بالصحراء الغربية وأشهرها وأكثرها منطقية مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب عام 2006 وحظيت بتأييد المجتمع الدولي. أقول المطالب الجزائرية ولا أقول مطالب جبهة مرتزقة البوليساريو، فلا جبهة ولا مطالب لولا الدعم الجزائري والتدخل المستمر في الشؤون المغربية، وجاءت سلسلة الاستفزازات الجزائرية المستمرة حيال الصحراء كدلائل قاطعة على أن مشكلة الصحراء هي صناعة جزائرية بحتة، وما حادثة مصادرة القمصان الرياضية المغربية إلا واحدة من تلك الدلائل التي كشفت عن هذا التدخل غير المقبول من الإخوة في الجزائر.
في عام 1969 اندلعت حرب بين جمهوريتي هندوراس والسلفادرو في أعقاب مباراة لكرة القدم بين البلدين تحضيراً لتصفيات كأس العالم التي جرت بالمكسيك عام 1970. الحرب لم يكن سببها المباراة بحد ذاتها، بل كانت شرارة الاقتتال بصراع استمر سنوات بين البلدين حول أراض متنازع عليها، وترحيل السلفادوريين من هندوراس وخلافات مالية واقتصادية بينهما.
ما يجمع المغرب والجزائر من وشائج جوار وتاريخ ودين وقربى وثقافة يفترض أن يغلق هذا الملف المؤذي للبلدين الشقيقين العضوين بالجامعة العربية ورابطة العالم الإسلامي والاتحاد الأفريقي، وعلى جامعة الدول العربية والمنظمات المعنية تسمية الأمور بمسمياتها: الصحراء مغربية. نقطة أول السطر. تصر الجزائر على بقاء هذه المشكلة وتفرط بعلاقتها بشقيقتها الجارة الكبيرة من أجل عصابة البوليساريو لأغراض داخلية جزائرية ليست بخافية على المتابع الفطن للشأن الجزائري، ولن نخوض بها في هذا المقام، فليس المطلوب تصحيح الأوضاع الداخلية الجزائرية، فذاك شأن جزائري بحت، لكن المطلوب هو تفعيل الحصافة الجزائرية، وتغليب المصلحة الجزائرية - المغربية المشتركة فوق مصالح حراك قوى جزائرية ضيقة تحت شعارات جبهة البوليساريو الفارغة، واللبيب بالإشارة يفهم.
قد يرى بعضهم هذا نوعاً من القسوة على الموقف الجزائري، لكنها قسوة المحب للجزائر وشعبها، والحريص على السلم بينها وبين جيرانها، وقديما قيل: "صديقك من صدَقك لا من صدّقك"، وعلى كل عربي حريص أن يرفع صوت الحق في وجه التأزيم الجزائري الممنهج للعلاقة مع المغرب قبل فوات الأوان. فلا تنقصنا حروب وصراعات بيننا، فيكفي ما جرى ويجري بالعراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا والسودان، ناهيك بمآس ومذابح غزة المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد!