"اختاروا طريق الحوار بدلاً من طريق القرارات الأحادية".. هكذا قال بندكت السادس عشر الراحل، وهو من أشهر الزعماء الدينيين في التاريخ وبابا الفاتيكان السابق، واليوم تتجسد الحوارات الدينية بشكل حقيقي على أرض الواقع مع "كايسيد" وفي مؤتمر عالمي بشعار: "الحوار في سياق متحول.. لإنشاء تحالفات من أجل السلام في عالم سريع التغير" والذي أقيم في لشبونة من تاريخ 15 - 16 من مايو الحالي، اجتمع فيه الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، إمام المسجد الحرام، والبطريرك المسكوني برثلميوس الأول، رئيس أساقفة القسطنطينية، ماتيو رينزي، وأيضا عدد من الزعماء السياسيين والمفكرين، وهذا الحدث بالتأكيد هو استمرارية للإيجابية في الحوار وتمهيد الطرق بين الأجيال، وبالتأكيد في زمن النزاعات والحروب فإن حفظ الكرامة الإنسانية والتمكين للناس بجانب المدن الحاضنة للتنوع عناوين كانت حاضرة.
وفي سؤال الدكتور زهير الحارثي - الأمين العام لمركز الحوار العالمي "كايسيد" ورئيس منتدى كايسيد العالمي للحوار - عن أهم أهداف هذا المنتدى العالمي أشار في حواره الصحفي أن عالم اليوم سريع التغير بجانب النزاعات المتصاعدة والانقسامات الكثيرة، ولعل أهم نقطة استوقفتني هي تضاؤل حجم الثقة بالمؤسسات التي كانت تحظى بالثقة من المجتمعات، ونحن للأسف نشاهد بالفعل اختطاف الوعي للجيل الشاب الذي ينازعهم في قيمهم ومعتقداتهم، ليس لينقلهم لطرف آخر، بل لأمر أخطر في التشكيك وهدم القناعات وتزييف الفهم للغايات الإنسانية السامية والعظيمة للأديان السماوية.
إن بناء السلام وإيجاد قاعدة حيوية للحوار رغم شدة التحولات وتطرفها في بعض الأحيان سيكون فرصة ليس فقط لاستكشاف نقاط القوة والالتفاف حولها، بل هو بالدرجة الأولى رسم سيناريوهات للمستقبل وتمكين الحوار ليس كغاية فقط بل كنمط عالمي.
إن التصدي لخطابات الكراهية ليست مسألة فردية أو ذات صبغة دينية واحدة، هي مهمة الجميع من البشر، فلا يمكن إغفال العمق النفسي والروحاني الذي يكتسبها الناس من الشعائر الدينية، بل كثيرا ما تكون الممارسات الدينية الخيرة الرسالة الحقيقية للتعبير عن أي مجتمع وثقافته، ولعل الانصهار في الحياة المادية وصعوبة المعيشة وانتشار الفقر والأمية في كثير من أنحاء الأرض لم يمنح الناس الفرصة الكافية للتأمل في العبادات وكيف يمكن أن نصنع من قناعاتنا المختلفة ألفة ورحمة وحسن جوار، بل إن انصهار المعاني الوجدانية مع زخم التقنية والتغول للجماعات الإرهابية المتطرفة يفسر بشكل أو بآخر تقلص الثقة لدى بعض الفئات بالحوارات الدينية، وكيف يتم توظيف الخطابات بأشكال خطيرة ومغايرة لجوهرها وروحها.
"نحتاج إلى التعايش وتعزيز ثقافة الحوار بين الشعوب من أجل تحقيق السلام والوئام".. هكذا قال الشيخ الدكتور صالح بن حميد، وإن مثل هذه المنتديات العالمية يخرج منها الكثير من التوصيات، فكيف إذا كانت بهذا الثقل الدولي والمعرفي، لعل الأيام القادمة تكون محطة لمراجعة كافة الخطابات، ولعله يكون هناك عرض مصاحب لروعة ما وصلنا إليه من اختيار الموضوعات الإنسانية في خطب الجمعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وكيف يهتم بها المجتمع بشكل أسبوعي ويتداولها بجماليتها وسماحتها المعهودة من مشايخنا الأجلاء - حفظهم الله -، نعم الخطاب الديني لدينا رغم كل محاولات الاختطاف الفاشلة يبهرنا يوما بعد يوم بوسطيته وعدله، وهذا نهج قادتنا الكرام - أدامهم الله -.. ودمتم بسلام.