تسرّبت معلومات دبلوماسية غربية إلى مسؤولين لبنانيين كبار، تشير إلى انّ المستوى السياسي في إسرائيل قد يكون صار على قناعة بأنّ "حزب الله" لن يقبل بوقف إطلاق النار الفوري قبل أن يصل إلى قناعة مفادها أنّ إسرائيل توشك على شنّ حملة عسكرية كبيرة ضدّه في الجنوب وفي أماكن أخرى من لبنان وربما سوريا. معنى ذلك انّ قيادة "حزب الله" لا تزال مقتنعة بأنّ إسرائيل لن تجرؤ على شنّ حرب أوسع ضدّه في لبنان، مخافة توسيع نطاق الضربات التي يمكن أن تتلقّاها على مدن، ومنشآت حيوية من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب.
فالحزب المذكور يعوّل على قوته الصاروخية الكبيرة، وكثافة الإطلاقات التي يمكن ان تتجاوز ما معدّله أكثر من 5000 صاروخ يومياً، تعجز وسائط الدفاع الإسرائيلية المتنوعة عن احتوائها. والقراءة المتعلقة بـ "حزب الله" صحيحة، إذ انّه يعوّل على خوف إسرائيل من الضربات القاسية والخسائر الكبيرة التي يمكن إنزالها ببنيته المدنية والاقتصادية، اذا ما شنّت عليه حرباً واسعة. لكن من الواضح أنّ ثمة ثغرة في تقييم "حزب الله" ومن خلفه الإيرانيون، من حيث تجاهلهما المعطى الجديد الذي فرض نفسه على الواقع الأمني – العسكري في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي غيّرت أسلوب التفكير في إسرائيل، وأثّرت كثيراً على صياغة العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية بالنسبة الى لبنان و "حزب الله".
من هنا القصور الكبير الذي يتميّز به الجهد الدبلوماسي الدولي لمنع نشوب حرب بين إسرائيل و"حزب الله". فالبناء على مسألة إقناع "حزب الله" بوقف إطلاق النار يقوم حتى الآن على تقييم مفاده إمكانية العودة بالوضع على جانبي الحدود إلى السادس من تشرين الأول (أكتوبر ) 2023.
هذا ما يراهن عليه "حزب الله" المتمسّك بحرب "المشاغلة" ربطاً باستمرار حرب غزة. ولا وقف لإطلاق النار قبل وقف لإطلاق النار في غزة. لكن إسرائيل تصرّ على عدم العودة الى 6 تشرين الأول (أكتوبر). وتريد ترتيبات أمنية واسعة النطاق لتأمين المنطقة الشمالية. والدبلوماسية الفرنسية التي صاغت ورقة قُدّمت إلى طرفي المعادلة إسرائيل و"حزب الله"، لم تأخذ في الاعتبار انّ "حزب الله " يجب أن يخلي منطقة عمليات "اليونيفيل" تماماً حتى عمق 30 كيلومتراً، في حين انّ الورقة الفرنسية تقوم ضمناً على فرضية إقناع "حزب الله" بالانسحاب الى 7 او 10 كيلومترات من الحدود.
في المقابل، لن تقبل إسرائيل تطبيق القرار 1701 وفق ما سيفرضه "حزب الله" في مرحلة أم بعد وقف إطلاق النار. فالانسحاب الى 8 أو 10 كيلومترات معناه انّ الحزب المذكور سيبقى عاملاً وفعّالاً عند الحدود، وسيتمكن خلال أشهر قليلة من إعادة بناء قدراته العسكرية في الحزام الحدودي الذي توصي به الورقة الفرنسية بضمانات فرنسية – أميركية – أممية. وهذا ما لا يريده الإسرائيليون والأميركيون.
اما بالنسبة إلى احتمالات الحرب، فإنّ التثبت من جدّية الإسرائيليين سوف يضع "حزب الله" أمام خيارين، إما التراجع او الانخراط في حرب مهما كانت نتائجها، بناءً على تقدير بأنّ إسرائيل لن تتمكن من ضرب لبنان بسهولة كما فعلت في غزة. وانّ المجتمع الدولي لن يغطي حرباً إسرائيلية في لبنان.
لكن ماذا لو صحّت المعلومات التي تشير إلى انّ إسرائيل ستخوض حرباً مختلفة عن حرب 2006، وتستهدف البنى التحتية لـ "حزب الله" بقوة كبيرة، وستتجنّب المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، إضافة إلى تحييدها مناطق البيئات اللبنانية غير المرتبطة بـ"حزب الله" سياسياً او طائفياً؟