تفيد مصادر دبلوماسية غربية في بيروت بأن ثمة مفاوضات إيرانية مباشرة مع الأميركيين، ومن خلالهم مع الإسرائيليين، حول الرد الإيراني الذي أعلنه المرشد علي خامنئي على مجزرة القنصلية الإيرانية في دمشق التي أودت بحياة اللواء في "فيلق القدس" محمد رضا زاهدي ومعه مجموعة من الضباط الكبار في الفيلق المكلفين الملفين السوري واللبناني.
والمفاوضات التي تتحدث عنها المصادر المشار إليها تتعلق باستعداد طهران لقبول "ترتيبات" لتجنب رد عنيف يكون بمستوى المجزرة وحجمها. وقد حصل تقدم كبير في المفاوضات، لا سيما بعدما لمس الإيرانيون أن إسرائيل مستعدة للرد على الرد إلى ما لا نهاية، وأياً كان الثمن. فكان أن سارع الأميركيون إلى اقتناص الفرصة وإطلاق مفاوضات ترمي إلى تجنيب المنطقة تصعيداً كبيراً بين إيران وإسرائيل قد يؤدي إلى انزلاق الجميع نحو حرب واسعة تفجر المنطقة، وهذا ما لا تريده واشنطن الحريصة على إنهاء العمليات العسكرية الكبرى في قطاع غزة، ومنع توسع المواجهة على الجبهة الإسرائيلية – اللبنانية، وتحاشي امتداد الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل إلى الداخلين الإسرائيلي والإيراني في آن واحد.
بمعنى آخر، تعمل إدارة الرئيس جو بايدن على لملمة موضوع المجزرة بأقل الأضرار الممكنة. طبعاً تدرك إيران أن الرد على إسرائيل ليس كالرد السابق على أربيل في إقليم كردستان العراق، وقتل رجل أعمال بذريعة أن منزله هو مركز لـ"الموساد" الإسرائيلي، وليس كالرد على محيط إدلب رداً على هجوم كرمان في ذكرى مقتل قاسم سليماني. الرد على الداخل الإسرائيلي دونه عواقب خطيرة، يعرف الإيرانيون أنه لا يمكن الاستخفاف بها، أضف إلى ذلك أن المسعى الأميركي الذي تؤكد حصوله أكثر من جهة عربية وغربية يهدف إلى "ابتكار" مخرج معقول للإيرانيين والإسرائيليين من هذه المشكلة العابرة بينهما. ولا يقتصر الجهد الكبير على لملمة الأمر على الإدارة الأميركية، بل يُحكى عن دور للوبي اليهودي الإيراني في إيران وإسرائيل الذي يتمتع بنفوذ كبير في كل من طهران وتل أبيب. وهو يلعب دوراً مهماً لامتصاص الصدمات الكبيرة بين القوتين الإقليميتين، ومنع نشوب حرب بينهما مهما كلف الأمر.
غير أن الحسابات الإسرائيلية تغيرت بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وانطلاق حرب غزة تحت عنوان الحرب الوجودية لدولة إسرائيل. كما أن حرب "المشاغلة" التي تقرر أن يخوضها "حزب الله" نيابة عن إيران في الثامن من تشرين الأول 2023 تحولت إلى مواجهة عنيفة ودموية، لا سيما بحق "حزب الله" الذي يتلقى ضربات مؤلمة جداً. لم تعد "حرب الظلال" بين طهران وتل أبيب تقتصر على ضربات متفرقة، بل باتت تل أبيب تعتبر الدور الإيراني في سوريا ولبنان تهديداً وجودياً يتعين أن تتم مواجهته بقوة كبيرة حتى حافة الحرب الشاملة. من هنا ثمة تقديرات بأن إسرائيل تخوض اليوم معركة إخراج إيران من سوريا أو أقله تعطيل جانب كبير من دورها هناك. وتخوض في الوقت عينه مواجهة عنيفة جداً ضد "حزب الله" تأمل أن تنجم عنها معادلة أمنية جديدة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وهدنة طويلة الأمد.
استنتاجاً تغير المسار الإيراني ولا يستبعد أن يأتي الرد ضمن ضوابط. هذا إذا حصل رد.