: آخر تحديث

استفاقة متأخرة لميشال عون

8
8
8

يُعتبر ما فعله ميشال عون الرئيس السابق للجمهوريّة اللبنانية الذي انتقد حديثا “حزب الله” على فتحه جبهة جنوب لبنان وربط مصير لبنان بحرب غزّة، محاولة بائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعته وسمعة تياره السياسي.

فقد هذا التيار الذي يسمّي نفسه “التيار الوطني الحر” نسبة كبيرة من مؤيديه بعدما اكتشف معظم مسيحيي لبنان أن ميشال عون وصهره جبران باسيل ليسا سوى تابعين لـ“حزب الله”. استفاق ميشال عون وجبران باسيل بعد فوات الأوان. لن تفيد استفاقتهما على الحزب وإيران ودورهما في شيء. يؤكد ذلك الواقع القائم في لبنان، وهو واقع أن البلد صار تحت السيطرة الإيرانيّة، مثله مثل العراق. لا مجال لأي كلام عن سيادة لبنانية بعدما صار قرار الحرب والسلم في لبنان في يد “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي لا يهمها غير تسجيل نقاط في المنطقة مستفيدة إلى أبعد حدود من حرب غزّة.

يظلّ أسوأ ما في الظاهرة العونيّة، نسبة إلى سلوك رئيس الجمهوريّة السابق، تلك القدرة على الاستخفاف بعقول الناس، خصوصا عقول المسيحيين اللبنانيين، من جهة، ولعب دور الأداة بسهولة ليس بعدها سهولة من جهة أخرى. بقدرة قادر، صار ميشال عون الآن حريصا على مصلحة لبنان وعلى رفض الربط بين مصير البلد ومصير قطاع غزّة. أين كان ميشال عون، ومعه صهره جبران باسيل، حين تورط “حزب الله” في الحرب التي يشنها النظام السوري على شعبه منذ آذار – مارس 2011؟

رفض ميشال عون وجبران باسيل، في ضوء ارتباط كلّ منهما بمصلحته الشخصيّة أي كلام عن دور “حزب الله” وإيران في تهجير الشعب السوري من أرضه. كان همّهما محصورا في الوصول إلى قصر بعبدا (قصر الرئاسة) بأي ثمن كان. كانا يرفضان دائما استيعاب أن في أساس مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان ما فعله بهم “حزب الله” وميليشيات إيرانيّة أخرى في سوريا من جهة ورفض النظام، من جهة أخرى، عودة هؤلاء بصفة كونهم سنّة إلى البلدات والقرى التي هجروا منها.

من الواضح، في ضوء التجارب التي مرّ فيها اللبنانيون مع ميشال عون، أن الرجل لا يمتلك سوى الرغبة القاتلة في أن يكون في السلطة. من أجل الوصول إلى موقع رئيس الجمهوريّة، قبل توقيع وثيقة مار مخايل. قبل تغطية كلّ ارتكابات “حزب الله”، بما في ذلك حرب صيف 2006 ثم الاعتصام في وسط بيروت بغية تدمير الاقتصاد اللبناني وتدمير العاصمة. ذهب ميشال عون، الحاقد على كلّ رجل ناجح في تاريخ لبنان، إلى تغطية اغتيال اللواء وسام الحسن. لم يخجل من مهاجمة وسام الحسن في الأيام والأسابيع التي سبقت تفجير السيارة التي كان فيها.

طوال سنوات، قام ميشال عون وجبران باسيل بدور الأداة لدى إيران. من يرفض أي تحقيق دولي في تفجير مرفأ بيروت لا يمكن أن يكون أكثر من أداة. من يتذكّر كيف أن ميشال عون، رئيس الجمهوريّة في آب – أغسطس 2020، قطع الطريق فورا على أي تحقيق جدّي في الكارثة التي نجمت عن تفجير المرفأ الذي كانت نيترات الأمونيوم تخزن في أحد عنابره؟ رفض ميشال عون مع جبران باسيل، الذي كان الرئيس الآخر للجمهوريّة، بل الرئيس الحقيقي للجمهوريّة، كشف هويّة من خزن الأمونيوم في المرفأ وما وجهة استخدام هذه المادة؟

 سبق لميشال عون في الماضي لعب دور الأداة لدى صدّام حسين، كان يريد “تكسير رأس” الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في الأعوام 1988 و1989 و1990. إذا به يهرب من قصر بعبدا الذي كان فيه بصفة كونه رئيسا لحكومة مؤقتة بمجرد تحليق أول طائرة “سوخوي” سورية في سماء قصر بعبدا. ترك جنوده يموتون في أرض المعركة. لم يكن يعرف شيئا عن السياسات الإقليمية والدولية. المخيف في الأمر أنّ الفرنسيين الذين لجأ إلى سفارتهم في بعبدا أخذوه إلى مرسيليا ثمّ إلى باريس حيث رفض العميد ريمون إده استقباله نظرا إلى أنّه يعرف قماشة الرجل ومدى احتقاره للمبادئ الوطنيّة. حذّر ريمون إده منذ العام 1999 من وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهوريّة. قال وقتذاك بالحرف الواحد: “ميشال عون يريد الوصول إلى رئاسة الجمهوريّة. ويل للبنان إذا وصل”.

لم يعرف ميشال عون، الذي دمّر صهره قطاع الكهرباء في لبنان، الخروج من دور الأداة. ترقى “الجنرال” في أحد الأيام، أي يوم توقيع وثيقة مار مخايل في السادس من شباط – فبراير 2006 من دور الأداة إلى دور الأداة عند الأدوات. صار أداة عند الحزب الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني والذي مكنه من الوصول إلى رئاسة الجمهورية في آخر شهر تشرين الأوّل – أكتوبر 2016. لم يخرج ميشال عون وجبران باسيل من قصر بعبدا إلّا بعد تمرير اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. هذا الاتفاق في مصلحة إسرائيل. لا تزال إيران تبحث عن مكافأة إسرائيلية وأميركيّة على سماحها بتوقيع هذا الاتفاق… بواسطة ميشال عون ولا أحد آخر غيره!

تبقى المشكلة الكبرى في جانب من الجمهور المسيحي في لبنان. على الرغم من مسؤولية ميشال عون عن تهجير أكبر عدد من المسيحيين من لبنان، لا يزال هناك من يقف معه. هناك مسيحيون لا يليق بهم أن يكونوا أكثر من جزء من قطيع غنم يأخذه الراعي نحو الذبح.

كلّ ما في الأمر أن موقف ميشال عون من حرب غزة وربط لبنان بها لا يقدّم ولا يؤخر. ليس التيار العوني سوى برتقالة عصرها “حزب الله” ثم رماها بعدما صارت مجرد برتقالة جافة. يعرف ميشال عون، الذي حرم صهره اللبنانيين من الكهرباء، أن لا حدود للانتهازية. سيمارس لعبته المفضلة القائمة على إفراغ لبنان من مسيحييه إرضاء لـ“الجمهوريّة الإسلاميّة” التي ارتضى أن يكون أداة من أدواتها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.